الثلاثاء، 6 نوفمبر 2012

مواقع التواصل الاجتماعي والتربية


مواقع التواصل الاجتماعي واستثمارها في عملية التربية

أ.د. عبدالوهاب جودة

تعد وسائل الاتصال بين الأفراد  والجماعات من الأدوات الأساسية للتفاعل الاجتماعي، وتتنوع تلك الوسائل وفق حاجة الموقف الاجتماعي وظروف التفاعل فيه. لقد أبدع الإنسان عبر مسيرته الحضارية ابتكارات واختراعات عدة، ساهمت بشكل أو بآخر في عملية التفاعل الاجتماعي المتواصل بين الأفراد؛ إذ قربت المسافات، وذلَّلَت الصعاب من أجل خلق موقف اجتماعي يسمح للأفراد بالتفاعل فيما بينهم, ومن ثم بلورة اتجاهاتهم وقيمهم وتصوراتهم المختلفة حيال ظواهر الكون، دعماً لصور الارتباط الذي يحصل بينهم.

وقد شهد القرن الماضي ثورة معلوماتية عملاقة، ساهمت في إيجاد تقنيات اتصال حديثة، ساعدت على تقريب مجتمعات العالم وربطها في منظومة كونية واحدة. وقد تبلورت تقنيات الاتصال الحديث في قنوات عدة تتمثل في: تقنية البث الفضائي، وشبكة الانترنيت، والهاتف النقال مع تطور التطبيقات التي تدعمها، الأمر الذي  أثر وبشكل فعَّال في إعادة صياغة أنماط التفاعل الاجتماعي فيما بينهم، وتغيير صور العلاقات الاجتماعية، ومن ثم تشكيل نمط جديد للتصورات والأفكار لدى الأفراد حيال الظواهر الإنسانية.

لقد ساعدت التطورات الحاصلة في تكنولوجيا الاتصال والاعلام على زيادة التواصل بين الأفراد على مستوى كافة المجتمعات بمختلف ثقافاتها وتوجهاتها الحضارية، متخطية بذلك كافة الحدود السياسية والثقافية التي فرضتها على شعوبها، والعزلة الحضارية التي كانت تعيشها مختلف الجماعات البشرية. لقد أحدثت شبكة الانترنت بتقنياتها المتسارعة بتطبيقاتها المتقدمة عبر الحاسوب، وكذا الهواتف الذكية درجة عالية من التأثير فاق ما أحدثته وسائل الاتصال والإعلام التقليدية، حيث تضم الانترنت ملايين المواقع التي تتناول كل مجالات الحياة من سياسة واقتصاد وسياحة وأديان وتعارف وغيرها، يجري خلالها أشكال متنوعة للتفاعل الاجتماعي، واضحت مواقع التعارف والتلاقي على رأس الوسائل الرقمية الأكثر شعبية بين أوساط الشباب، والمعروفة بشبكات التواصل الاجتماعي من بينها: ماي سبيس، تويتر، فايس بوك، علاوة على أدلة المواقع الأخرى، والتطبيقات الداعمة للاتصال مثل: الواتس آب، فايبر، سكاي بي، وغيرها من أدوات التواصل. وتعد جميعها آلية للتواصل والتفاعل الاجتماعي بين شعوب العالم اختلاف لغاتهم وجنسياتهم، ومن ثم فهي اضحت من أهم الوسائط المؤثرة في عملية التربية والتنشئة الاجتماعي للأطفال.

لقد طور التقدم التقني للإنترنت وتكنولوجيا الموبايل أشكال جديدة من التفاعلات الاجتماعية، والقدرة على صيانة شبكات المتفاعلين الموزعة على نطاق واسع، وقد أشار (Lugano, 2008: 2 ) إلى أن هذه الأدوات يمكنها أن تستبدل، أو تعيد صياغة التفاعلات المباشرة وجها لوجه، مؤكدا على أن التواصل الاجتماعي غالبا ما يستند على التفاعل الاجتماعي المباشر، أو البحث عن المستخدمين طبقا للمعايير الاجتماعية.

ومع تعاظم تقنيات الانترنت والاتصالات الخلوية عبر الهاتف المحمول ، ومن ثم التواصل والتشبيك بين الأفراد في كل مكان مع بداية القرن الحادي والعشرين، أصبح الهاتف المحمول الآن وسيلة رئيسية للاتصالات عن بعد، واتسع استخدامه حيث صار شعبيا، لقد أصبح الجميع مشغولا بالهاتف المحمول، سيما بعد تعاظم وظائفه بعد أن أدخلت عليه تطورات تقنية هائلة، وظهور أنماط متطورة منه مثل: I phone, I pad, Galaxy...act بأجيالهم المختلفة، استطاعت استيعاب كافة الوظائف والخدمات التي يقدمها جهاز الحاسوب المتطور، وأصبح الهاتف النقال – عند البعض – بديل كاف عن الكومبيوتر، لاسيما ما يتمتع بسهولة حملة واصطحابه في كل مكان، وتأدية كافة الخدمات والإشباعات للمستخدمين من خلاله، الأمر الذي ساعد على انتشار استخدامه بين كافة شرائح المجتمع بكل مستوياتهم العمرية، فلقد وسعت برامج الشبكات الاجتماعية النقالة Mobil Social Software ( Mososo ) عمليات التشبيك الاجتماعي لبيئة الموبايل، ومن ثم أصبح عنصر فاعل في عمليات التنشئة والتربية للطفال، لاسيما.

مع اتساع نطاق استخدام الانترنت النقال، وانتشاره بين مختلف الشرائح، نال موضوع الشبكات الاجتماعية النقالة اهتمام الأكاديميين والإعلام، واسواق الهواتف وعلاقتها بالمجتمع المحلي، وانعكاساتها على عملية التربية. وعلى الرغم من هذا الاهتمام إلا أن عمليات التشبيك والتفاعل الاجتماعي الافتراضي عبر الشبكات الاجتماعية يؤثر على عملية التربية والتغير الاجتماعي. كما أن التفاعل والتواصل الشبكي النقال يسهل من عملية التنسيق للحياة اليومية بين الجماعات الصغيرة؛ ذلك أن برامج الشبكات الاجتماعية وسيلة مهمة للتغير الاجتماعي.

الشبكات الاجتماعية الافتراضية لها القدرة على تشكيل سمات الشخصية الخمسة وتأثيراتها على تعديل السلوك. كما  أن  مواقع الشبكات الاجتماعي لها أهمية في عملية التعلم وإمكاناتها في تنمية الشخصية الشابة. كما ناقش البعض تأثيرات مواقع الشبكة الاجتماعية الافتراضية على كل من الفرد والمجتمع بصورة بنيوية، حيث تمكن الأفراد من اكتشاف المعلومات، والتواصل مع الآخرين ومشاركتهم تلك المعلومات، ولها القدرة على: انتشار المعلومات ت بصورة سريعة،  وترتيب الاجتماعات واللقاءات، كما أن التطبيقات المتطورة لها القدرة الكبيرة على تنظيم الجماعات، والمشاركة في العمل الجمعي، وتعبئة الأفراد، والانضمام الى المجتمع المدني، وزيادة المشاركة الاجتماعية، وتنمية قيم التطوع عند افراد المجتمع، والقدرة على تنسيق العمل الاجتماعي وحراكه.

كما أشارت بعض الدراسات الأجنبية الى العلاقة بين استخدام الطلبة لتطبيقات التواصل الاجتماعي وتنمية رأس المال الاجتماعي، لدى طلاب جامعة تكساس بالولايات المتحدة الأمريكية، واكتشفوا أن كثافة استخدام الطلاب لموقع التواص الاجتماعي Face book أدى إلى تكوين اتجاهات وسلوكيات ايجابية، أدت إلى تحسين راس المال الاجتماعي للأفراد؛ إذ أن كثافة الاستخدام ساعدت على ارتفاع درجة الرضا عن حياة الفرد، وزادت من الثقة الاجتماعية، وعمقت الارتباط بمؤسسات المجتمع المدني والمشاركة السياسية.

§        التواصل الاجتماعي وكيفية الاستفادة في تربية النشء

لقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي اليوم من المؤسسات المهمّة التي تقوم بدور مهم في تربية النشء وإكسابهم عادات وسلوكيات صحيحة وأداة مهمة من أدوات التغيير الاجتماعي وقد اهتمت المؤسسات الاجتماعية والتربوية بوضع البرامج والأنشطة للطلاب، وذلك بقصد الاستفادة من إشغال وقت الشباب بما يفيدهم، علاوة على زرع جوانب وأمور مهمة وتنميتها في شخصية الطالب. إن العملية التعليمية ليست مجرد عملية تلقين المعلومات والمعارف للطلاب فقط ، وإنما هي عملية مفيدة لبناء شخصية الطالب من جميع النواحي، وبث روح المسؤولية الاجتماعية والاعتداد بالذات، وتحمل المسؤوليات في الحياة ، ومحاولة إيجاد التوازن المتكامل في جميع جوانب الشخصية. وقد تنبه التربويون لأهمية مواقع التواصل الاجتماعي ودورها في صقل شخصية الشباب وتنميتها وبخاصة أن الدراسات التي أجريت في عام ( 2010 ) دلت نتائجها أن عدد المستخدمين العرب لموقع "الفيس بوك" يصل إلى ( 15 ) مليون شخص، وقد دلت الدراسات الحديثة أن عدد المستخدمين العرب يزداد بمعدل مليون شخص كل شهر، ومن المفارقات اللافتة أن عدد مستخدمي "الفيس بوك" العرب يفوق عدد قراء الصحف في العالم العربي.

وقد يرى البعض أن رعاية الشباب تتمثل في توفير ألوان من النشاط أو الخدمات أو إقامة المؤسسات الرياضية والاجتماعية لشغل وقت الفراغ، بيد أن هذه الرعاية لا تمثل سوى جزءً من احتياجات الشباب في ظل ما توفره التكنولوجيا الحديثة من إمكانات ضخمة يمارس من خلالها الشباب نشاطات مختلفة تؤثر في سلوكهم وأنماط شخصياتهم، فالسلوك الإنساني عبار ة عن العمليات التي تتم بين الفرد بكل مكوناته العقلية والنفسية والاجتماعية والوسط أو البيئية بكل ما فيها من ظروف ومواقف وعناصر اجتماعية وثقافية. وهو أساس التفاعل بين الأفراد والجماعات والمجتمعات.

إن الشاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي يستفيد من الأنشطة والبرامج المتاحة له، ويتفاعل مع غيره من الناس من خلال هذه الأنشطة المتاحة، وبذلك يتبادل أنواعًا السلوك الإنساني مع غيره فيفيد ويستفيد من غيره، ويتعلم أنواعًا من السلوك، ويكتسب خبرات إيجابية من خلال ذلك التفاعل والأنشطة، ويحاول أن ينمي لنفسه الإحساس بالمسؤولية والاعتماد على الذات من خلال هذه العمليات والأنشطة وهو يقوم بذلك من خلال المشاركة مع الآخرين من الجماعات الأخرى على صفحات الفيس بوك. ذلك أن، الجماعة عبارة وحدة اجتماعية مكونة من مجموعة من الأفراد تربط بينهم علاقات اجتماعية، ويحدث بينهم تفاعل اجتماعي متبادل فيؤثر بعضهم في بعض، كما يعتمد بعضهم. وهنا يتضح أهمية التفاعل مع الآخرين من خلال الأنشطة المختلفة في الجماعات التي يمكن تكوينها من مواقع التواصل الاجتماعي وتتخطى الحواجز والحدود حدوث التأثير والتأثر واكتساب الخبرات وتنمية المسؤولية في الذات من خلال هذه الأنشطة والتفاعل بين الأفراد.

إن النشاطات الاجتماعية تعد ضرورة ملحة تتطلبها مراحل الطفولة والشباب بصورة خاصة، فهي تعد مصدرًا من مصادر الكشف عن مواهب الشباب وإمكانياتهم وميولهم في شتى مجالات الأنشطة الثقافية والاجتماعية، فالتنمية لا يمكن أن تتم بدون إعداد الشباب الذي هو أداة للتنمية ، فبقدر ما يتوفر له من صحة وحيوية وقدرة وابتكار ، وإبداعية ومهارات مهنية وتقنية ، وإحساس بالمسؤولية بقدر ما يتوفر للمجتمع القدرة الذاتية على النمو والتطور.

وقد أكدت البحوث السوسيولوجية والتربوية أن شغل أوقات الفراغ بصورة إيجابية وبطريقة مخططة يساعد كثيرًا في تعديل السلوك لدى المستخدمين ، ويساعد على تربية الناشئ من جميع جوانبه النفسية والاجتماعية والروحية والسلوكية والعقلية ، كما أن استغلال أوقات الفراغ لديهم في الأنشطة المختلفة يحقق ميولهم وذواتهم ، وتشبع بعض حاجاتهم النفسية كالحاجة إلى التقدير، والحاجة إلى الحب، والحاجة إلى الانتماء واللعب والمرح وتنمية المهارات والهوايات المختلفة ، وصقل المواهب، وتحقيق القدرات وتنميتها وإكساب كثير من الخبرات المفيدة. وتعد الأنشطة المختلفة التي يمارسها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي سواء أكانت أنشطة ثقافية أو اجتماعية أو فنية من الأمور المهمة جدًا لإيجاد وتنمية المسؤولية الاجتماعية لدى الأطفال والشباب وتنميتها، وإيجاد المواطن الصالح من خلال غرس وتنمية القيم والمعايير الاجتماعية في نفوسهم وتنميتها.

لقد أشارت الدراسات الحديثة لكاتب هذا المقال أن التفاعل الاجتماعي عبر تقنيات الواصل الاجتماعي قد أدى الى عدة صور من الانعكاسات الايجابية على الشخصية، كان أهمها:

§          ارتفاع التأثيرات الناتجة عن التفاعل الاجتماعي الشبكي عبر مواقع التواصل الاجتماعي على جوانب الشخصية ، من حيث:

- مرونة الشخصية ، وقدرتها على التفاعل الانساني عبر الفضاء الإلكتروني، وامتلاكها لأدوات التواصل والاتصال الإنساني مع الآخر ضمن الثقافات المختلفة، بالإضافة إلى القدرة على التفاهم والتعبير عن الذات.

§          التأثير الإيجابي لمواقع التواصل الاجتماعي في صقل قدرات الشباب الجامعي على التواصل والتفاهم الحضاري، وتعميق قدراته على احترام الري والرأي الآخر، والتعاون المثمر مع الآخرين وفي هذا السياق نوصي باستثمار هذه التقنيات في التربية و التوعية من خلال هذه الشبكات، وبث الأفكار الإيجابية التي تدعم هذا الاتجاه، وتشجيع الشباب على إقامة الحوار البناء؛ لما له من عظيم الأثر في بناء الشخصية السوية.

§        تدعيم أواصر الانتماء الوطني، وتحديد ملامح الهوية الثقافية للشباب، ومن ثم توطيد العلاقات بين ابناء الوطن الواحد، سواء كانت العلاقات مباشرة أو غير مباشرة، ومن هذا المنطلق يجب استثمار هذه المواقع في تأكيد الهوية الثقافية للشباب وتعضيد روح الانتماء الوطني.

§        تثري مواقع التواصل الاجتماعي منظومة قيم الشباب نحو المشاركة الاجتماعية وتدعم قيم التطوع لديهم، لذا يجب تطويرها بحيث تعتمد كقناة ووسيلة تربوية أساسية لتنمية روح التطوع والمشاركة الاجتماعية، وأن تقدم لمجتمع الشباب بوصفها آلية لبث الفكر التطوعي، والحث عليه، مع تطوير قدرات الطلاب ودعم إمكاناته للمشاركة بفاعلياته التطوعية من خلال هذه الشبكات.

§        تساعد مواقع التواصل الاجتماعي بما تتضمنه من خدمات متنوعة من - للمعارف، والأخبار، والمعلومات، والنشر، والتدوين، والتعليقات على المادة المنشورة- على تنمية الوعي الاجتماعي لدى الشباب بمجريات الأحداث على المستويين المحلي والدولي، كما تساعد على مناقشة الكثير من القضايا التي تتعلق بتلك الأحداث بالتعليق والمشاركة في صياغتها، وهو أمر تزداد معه الحاجة الى دعم هذه المواقع بالصحيح والأخبار والمعلومات دون زيف أو مغالاة.

§        يساعد التفاعل الاجتماعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تضاؤل مختلف أشكال التمييز الاجتماعي؛ نتيجة تفاعل الجميع حول قضايا الاهتمام، دون تمييز؛ لذلك، يجب استثمار تلك المواقع الشبكية في تفيل مختلف أشكال الحوار بين الفئات الاجتماعية، وتوجيه الشباب وتوعيتهم بأهمية مناقشة القضايا المطروحة في تلك المواقع؛ وذلك بهدف إذابة كافة أشكال التمييز بين البشر على مختلف مستوياتهم العمرية والنوعية والعرقية.

§        ساهمت التفاعل الاجتماعي عبر مواقع التواصل الاجتماعي في إثراء راس المال الاجتماعي وتنميته لدى الشخصية الشابة؛ نتيجة انضمام الشاب الى مجموعات شبكية متنوعة.

§        التخطيط لبرامج توعوية الكترونية، تهدف إلى تشكيل ثقافة الكترونية افتراضية لدى ابناء الأمة، تتسم التأكيد على الهوية الثقافية والدينية للمجتمع، وتحذرهم من الأخطار الناتجة عن الاستخدام الخاطئ للتكنولوجيا عموما، ولمواقع التواصل الاجتماعي خصوصا.