الأحد، 11 مايو 2008

دراسة علمية حول مشكلات الباحثين الشبان في مصر

يعد البحث العلمي أحد أهم المقومات الأساسية لتقدم المجتمعات، كما يعد الآلية الرئيسة لانتاج العلم الذي يقود تحويله الى تقنية المجتمع الى المجتمع القائم على اقتصاد المعرفة؛ كما يعدالبحث العلمي الجامعي أولى الخطوات في صقل واعداد الباحثين العلمين وتأهيلهم للقيام بالبحوث العلمية الدقيقة المهيئة لانتاج المعرفة والتقانة، الا أن هذه الفئة الشابة من الباحثين يواجهون مشكلات عدة أثناء مراحل تكوينهم الكاديمي، الأمر الذي يدعون الى البحث عن أهم المعوقات التي تحول دون إكسابهم المهارات التي تمكنهم من هذه المهارات؛ من هذا المنطلق قام الدكتور عبدالوهاب جودة الأستاذ المساعد بجامعتي عين شمس والسلطان قابوس بإجراء بحث ميداني على ظاهرة " معوقات البحث العلمي "، مكن عرض ملخصه على النحو الآتي:-
أولا: أهداف البحث وأهميته:
يتمحور هدف البحث الراهن حول الكشف عن طبيعة المشكلات التي تعترض الباحثين الشباب في الجامعات المصرية، والذين يقعون في طور الإعداد والتكوين، سواء تلك المتعلقة بطبيعة البحوث التي تجري، أو تلك التي تتعلق بالباحثين أنفسهم من حيث الحرية في اختيار الموضوع وإبداء الرأي، والإشراف العلمي، والظروف الإدارية والبيروقراطية، والمناخ الأكاديمي والمشكلات المتصلة بتمويل مشروعاتهم البحثية. وقد تحددت أهمية البحث الحالي فيما يلي:-
1- التوصل إلى أهم وأحدث الاتجاهات الحديثة في مجال النظرية السوسيولوجية حول سوسيولوجيا العلم والبحث العلمي كحقل من حقول سوسيولوجيا المعرفة؛ ومن ثم إثراء النظرية الاجتماعية وتطبيقاتها في مجال البحث العلمي.
2- الكشف عن أهم جوانب الإطار الأكاديمي لتأهيل الباحثين الشبان وتوضيح بعض المشكلات التي تعترض عملية التأهيل والإعداد الأكاديمي للباحثين الشبان، ومن ثم ضعف القدرة على التفكير العلمي.
3- الوصول إلى طرح نماذج بديلة للتغلب على المشكلات التي تواجه الباحثين الشبان.
ثانيا: مشكلة البحث: ويمكن تحديد مشكلة البحث في التساؤل الرئيسي الآتي:-
" ما طبيعة المشكلات الأكاديمية التي تعترض الباحثين الشبان في مصر؟" وما السبيل إلى تجاوز تلك المشكلات التي تواجههم، وكيفية تطوير مهارات البحث العلمي لديهم؟
وللإجابة عن هذا التساؤل العام، يحاول الباحث الإجابة عن الأسئلة الآتية:-
ما واقع عملية الإعداد والتأهيل الأكاديمي للباحثين الشبان بمصر، وما أهم المشكلات المتصلة بها؟
ما أهم الصعوبات التي تعترض الباحثين الشبان أثناء إعداد مشروعاتهم البحثية ابتداء من اختيار الموضوع،ووضع مخطط البحث؟
- ما طبيعة العلاقة الإشرافية بين الأستاذ والباحث؟، وما المشكلات المرتبطة بتلك العلاقة؟
- ما طبيعة المشكلات المرتبطة بالتسهيلات البحثية المتوافرة للباحثين الشبان بمصر؟
- ما السبيل نحو الحد من المشكلات التي تواجه الباحثين الشبان، وكيفية تطوير مهاراتهم البحثية.

ثالثا: المفاهيم الإجرائية للبحث: حدد الباحث مفهوم الباحث الشاب، والمشكلات البحثية.
رابعا: الإطار النظري للبحث: بيئة العلم والبحث العلمي. تناول الباحث بالعرض والتحليل الاتجاهات النظرية المختلفة لعلم اجتماع العلم، حيث تعرض للاتجاهات الآتية: 1- الاتجاهات الكلاسيكية ( كارل ماركس، وماكس فيبر، وكارل مانهايم، وأجبرن، وسروكين، وزنانيكي )؛ و رؤية تالكوت بارسونز روبرت ميرتون حول البناء المعياري و البناء الاجتماعي للعلم.
2- المداخل النقدية في دراسة العلم: ( جوزيف نيدهام، وبنجامين نيلسون، وجوزيف بن دافيد وساليفان، وإزراهى. كما عرض الباحث لآراء مدرسة فرانكفورت، ورايت ميلز، وألفن جولدنر حول أزمة العلم والمؤسسة العلمية.
3- الاتجاهات النظرية والمنهجية الحديثة لعلم اجتماع العلم متمثلة في آراء كل من: بيير بورديو حول الحقل العلمي. ورؤية بيكرنج Andrew Pickering حول تشويه الممارسة العلمية، ورؤية فيليب كيتشر Kitcherحول أهمية البواعث والاهتمامات الشخصية أو الفردية للعلماء ودورها في عملية الإنتاج والإنجاز العلمي. و نظرية الشبكة الفاعلة Actor-Network Theory في دراسة العلم والبحث العلمي.
خامسا: الإجراءات المنهجية للبحث؛ لتحقيق أهداف البحث، اتبع الباحث الإجراءات المنهجية الآتية:-
أسلوب البحث: اعتمد الباحث علي الأسلوب الوصفي التحليلي للكشف عن أهم المشكلات التي تعترض الباحثين الشبان ومن ثم ضعف مهارات التفكير العلمي، على مستوى مراحل البحث المختلفة.
مصادر البيانات: اعتمد الباحث في جمع الحقائق والبيانات اللازمة للإجابة عن تساؤلات البحث عل المصادر الآتية:
الأول: المصدر البشري، والمتمثل في الباحثين العلمين المسجلين لدرجتي الماجستير والدكتوراه بجميع الكليات المختلفة، إضافة إلي المدرسين حديثي التخرج. الثاني: المصدر الوثائقي، والمتمثل في الوثائق المتعلقة بالتشريعات واللوائح المتعلقة بالدراسات العليا والبحث العلمي، وكذا المراجع والكتب والبحوث والدراسات السابقة.
حدود البحث: يواجه الباحثون الشباب صعوبات ومشكلات عديدة، منها ما يتعلق بالحياة العامة، والظروف المجتمعية، ومنها ما يتعلق بالأوضاع الذاتية للباحث نفسه، ومنها ما يرتبط بالسياق الأكاديمي الذي يمارس فيه الباحث الشاب نشاطاته البحثية، ذلك السياق الذي يضم سبل إعداده وتنشئته أكاديمياً، وعملية الأشراف العلمي، وطبيعة المشكلات البحثية والتسهيلات التي يوفرها للباحثين ويقتصر البحث الحالي علي دراسة المشكلات المتصلة بجوانب السياق الأكاديمي والتي تشكل البيئة البحثية، مع التسليم بأهمية المشكلات الأخرى، وتفاعلها مع المشكلات الأكاديمية. كما يمتد البحث الراهن ليشمل جميع الباحثين من باحثي الماجستير والدكتوراه في كافة الكليات والتخصصات، الطبيعي والإنسانية بجميع الجامعات المصرية.
ج- مجتمع البحث: يتمثل مجتمع البحث في جميع الباحثين المصرين من مختلف التخصصات العلمية، والمسجلين لدرجتي الماجستير والدكتواره داخل الجامعات المصرية فقط.
د- عينة البحث: اعتمد البحث علي العينة الاحتمالية (عشوائية) في اختيار مفردات البحث، حيث تم اختيار عينة عشوائية بالطريقة البسيطة من الجامعات المختلفة. وقد بلغ حجم العينة 287 باحثاً شاباً. كما تم اختيار عشرين حالة من تخصصات مختلفة للدراسة المتعمقة للكشف عن أسباب المشكلات وتفسيرها.
هـ- طرق وأدوات البحث: اعتمد البحث: استخدم الباحث طريقة المسح الاجتماعي بالعينة للكشف عن المشكلات التي تواجه الباحثين الشبان، معتمدا على أداتين أساسيتين هما:-
1. صحيفة الاستبيان المقنن، والذي ضم عدة محاور تغطي أهداف البحث. وتضمنت المحاور الآتية: البيانات الأساسية، ومحور خاص بالإعداد والتأهيل الأكاديمي، وآخر خاص بحرية البحث العلمي، وثالث خاص بالمشكلات التنفيذية للبحث سواء المكتبية، أو الميداني/ العملية، والمشكلات الاقتصادية، ورابع خاص بالعلاقة بين الباحث والمشرف العلمي على البحث. هذا وأقد قام الباحث بإجراء عمليتي الصدق والثبات لبنود صحيفة الاستبيان عن طريق إعادة تطبيق الاستبيان على عينة قدرها ثلاثون باحثا شابا من جامعات القاهرة الكبرى.
2. دليل مقابلة مفتوحة، حيث تم إعداد مقابلة تتضمن نفس المحاور التي احتوى عليها الاستبيان؛ تم تطبيقها علي خمسة عشرة حالة متميزة من الحالات التي طبق عليها الاستبيان، بهدف التعرف والكشف بعمق عن أهم المشكلات التي تعترض البحث العلمي الجامعي، والتوصل إلي الأسباب الحقيقة التي تكمن وراء تلك المشكلات. كما تم الاعتماد علي دليل دراسة الحالة، تم تطبيقه على الحالات المتعمقة.
و- العمل الميداني: تم إنجاز العمل الميداني على أربعة مراحل هي:-
1. مرحلة التمهيد: حيث تم إعداد خطة العمل الميداني، وتحديد مجتمع البحث، والتمهيد لنزول الميدان.
2. مرحلة الإعداد: حيث تم تصميم وبناء أدوات جمع البيانات الميدانية، وإجراء عمليات الصدق والثبات لأداة الاستبيان، عن طريق عرضها علي عشرة من المحكمين؛ كما تم استخدام طريقة إعادة الاختبار لقياس الثبات؛ حيث تم تطبيق الاستبيان على 20 مفردة من مفردات البحث وإعادة تطبيقها بعد مرور شهر من التطبيق الأول علي نفس العينة، وأثبتت النتائج ثبات الاستبيان.
3. مرحلة جمع البيانات من الميدان: حيث تم تطبيق صحيفة الاستبيان على مفردات العينة، واستغرقت مدة التطبيق الميداني ستة أشهر من أكتوبر 2003 إلى مارس 2004، إضافة إلى إجراء حالات الدراسة المتعمقة.
4. مرحلة تحليل البيانات بعد تفريغها وتكويدها وترميزها. وقد استخدم الباحث حزمة البرامج الإحصائية(SPSS) في تفريغ البيانات وتحليلها، معتمدا على المقاييس الإحصائية الوصفية( التكرارات المئوية، ومقياس K2 لقياس مدى دلالة الفروق بين التكرارات؛ منتهيا إلى استخلاص النتائج.
سادسا: النتائج النهائية للبحث:
أ- فيما يتعلق بالتأهيل الأكاديمي خلال المرحلتين الأولى والعالية، توصلت الدراسة إلى عدد من المشكلات التي تقف عائقا أمام عملية إعداد وتنشئة الباحثين الشبان يمكن عرضها في النقاط التالية:-
1- ضعف البرنامج الأكاديمي في المرحلة الجامعية الأولى، خاصة في الكليات النظرية فيما يتعلق بالاستفادة من مقررات المنهج العلمي، وطرائقه وتصميماته، وافتقارها إلى التدريبات العملية؛ والتركيز على الجانب النظري في الغالب. وقد توصلت الدراسة إلى ارتفاع درجة الطلب على أهمية تدريس مقرر المنهج العلمي وطرائقه وتصميماته بالطريقة الملائمة لإكسابهم مهارات البحث والتفكير العلمي.
2- مازال برنامج التأهيل والإعداد في مرحلة السنة التمهيدية للماجستير رغم تاريخه الطويل والتعديلات التي أجريت في سبيل تطويره بالجامعات المصرية، خاصة المركزية منها- مازال- يعانى من بعض القصور فيما يتعلق بالمهارات المطلوبة للتفكير والبحث العلمي؛ حيث اتضح أن المقررات تكاد تتشابه المقررات الدراسية التي يتلقاها طلاب السنة التمهيدية مع المقررات الدراسية التي سبق وتلقاها الطلاب خلال مرحلة الليسانس أو البكالوريوس مع بعض الاختلافات الطفيفة. كما تبين أيضا أن طرق التدريس وبرامج التدريب المتبعة في أغلب الأقسام الأكاديمية لا ترقى إلى المستوى الملائم لإكساب الطلاب مهارات التفكير والبحث العلمي.
3- ضعف الأنشطة العلمية داخل المؤسسة الأكاديمية سواء من حيث الكم أو الكيف؛ حيث تبين أن الأنشطة المناسبة لإشراك الباحثين الشبان نادرة؛ ويكاد يقتصر النشاط العلمي داخل الجامعات على المؤتمرات الكبرى التي يتولى تخطيطها وتنظيمها كبار الأساتذة؛ في حين أن اللقاءات العلمية( ورش العمل- الندوات- إعداد النشرات العلمية- السيمينارات العلمية... الخ) نادرة، خاصة بالجامعات الإقليمية.
4- ندرة وجود المشروعات العلمية المنظمة في أغلب الأقسام الأكاديمية بالجامعات المصرية، باستثناءات قليلة، تلك المشروعات التي يمكن للباحثين الشبان الاندماج فيها باعتبارها مجالا حيويا للتنشئة الأكاديمية.
5- توتر المناخ الأكاديمي داخل الجامعات، وضعف العلاقات الاجتماعية، وصعوبة تكوين سياق أكاديمي بمثابة شبكة فاعلة؛ تعمل كمنظومة تقوم بتفعيل أدوار كل من كبار الأساتذة والباحثين الشبان، والقدرة على ضم باحثين فاعلين جدد، وتقويم المناخ والسياق الأكاديمي القائم وتطويره بما يتلاءم وتهيئة البيئة الأكاديمية الصالحة لإعداد وتأهيل الباحثين الشباب.
6- يتسم السياق الأكاديمي في الجامعات المصرية بالانعزالية وضعف الدراسات البينية بين التخصصات المختلفة، وافتقاد الوعي بالمداخل الجديدة في البحث كالدراسات العابرة للتخصصات، و غياب المشروعات المتكاملة والمتعددة التخصصات التي تجمع الباحثين من تخصصات مختلفة حول موضوع تنموي شامل، يصبح بيئة مهيأة لتنشئة أكاديمية جيدة للباحثين الشبان.
7- تبين من الدراسة الميدانية أن ميدان النشر العلمي بالكليات الجامعية المختلفة، خاصة كليات الآداب على مستوى عالي ؛ حيث تبين وجود مجلة علمية( دورية- حولية ) بكل كلية من كليات الآداب بالجامعات المصرية يتم إصدارها بصفة دورية تهتم بنشر البحوث والدراسات العلمية. رغم هذا التطور في مجال النشر العلمي، إلا أن هناك ضعف في مجال مساهمة الباحثين الشبان في أعمال النشر بالدوريات والحوليات الجامعية باعتبارها مجالا من مجالات التدريب البحثي والإعداد والتنشئة الأكاديمية؛ وتتزيد مشاركة الباحثين في عملية النشر العلمي بمراكز البحوث العلمية.
8- ضعف برامج التدريب والتأهيل داخل المؤسسة الجامعية، باستثناء بعض الجامعات؛ حيث يشكوا الغالبية العظمى من الباحثين الشبان من ضعف اللغة الأجنبية، والقدرة على التعامل مع التقنيات الحديثة في مجال البحث العلمي، خاصة نظم المعلومات الإلكترونية، والقدرة على استخدام البرامج الإحصائية المختلفة في البحث العلمي.
ب- : فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة والمجتمع والبحث العلمي.
أ- مشكلات تتعلق بحرية البحث العلمي الجامعي: توصلت الدراسة الميدانية إلى ارتفاع درجة حرية البحث العلمي الجامعي لدى الباحثين الشبان في مصر؛ حيث اتضح:
1- أكدت الغالبية العظمى من الباحثين الشبان على أنهم قد تمتعوا بدرجة عالية من الاستقلال في اختيار موضوعات بحوثهم للماجستير والدكتوراه.
2- ارتفاع درجة المشاركة والتعاون بين المشرف العلمي والطالب في مرحلة اختيار موضوع البحث أو الدراسة.
3- تتيح المؤسسة الجامعية في مصر درجة عالية من الحرية للباحث في اختيار الموضوعات البحثية شريطة ألا يكون الموضوع قد سبق دراسته؛ ولم تتدخل وتترك للمشرف والأقسام العلمية تحديد الموضوع البحثية مكتفية بمتابعة استيفاء البيانات والشروط المطلوبة لتسجيل الموضوعات.
ب- فيما يتعلق بتقدير المجتمع والدولة للبحث العلمي عامة والجامعي خاصة تبين ما يلي:
1- ضعف تقدير الدولة لأهمية البحث العلمي عامة ومن ثم الجامعي ودوره في عملية التنمية الشاملة من وجهة نظر الباحثين الشبان
2- ضعف تقدير المجتمع للبحث العلمي والعلم
رغم ما يتضح من ارتفاع في درجة الحرية في البحث العلمي بالجامعات المصرية؛ إلا أن البعض من الباحثين الشبان يؤكدون على إنهم واجهوا بعض الصعوبات والمشكلات التي تحد من حريتهم في اختيار موضوعات بحوثهم ودرسها؛ حيث يعبرون عن ذلك حينما يصفون الجماعة الأكاديمية بالجمود الفكري، وغياب الحوار الديموقراطي داخل الوسط الأكاديمي. وقد توصلت الدراسة إلى ضرورة وجود مجتمع أكاديمي واع يتصدى للقيود والمشكلات المفروضة على البحث العلمي، ووضع الضمانات الكفيلة بالحفاظ على حريته.
ج: فيما يتعلق بالإشراف العلمي: توصلت الدراسة إلى أن عملية الإشراف العلمي من أهم العمليات الحيوية في إعداد وتأهيل الباحثين، وتكوين علماء المستقبل؛ وتلعب عناصر السياق الأكاديمي بالجامعات دورا بارزا في تنفيذ تلك العملية. رغم ذلك كشفت الدراسة عن وجود العديد من المشكلات المتعلقة بعملية الإشراف العلمي، والتي تحد من تحقيق أهدافه، سواء ما يتصل بإخراج رسالة علمية تستوفى الشروط العلمية للبحث باعتبارها أحد مصادر التعلم للباحثين الشبان، أو باعتبارها عملية صقل مهارات الباحث الشاب في إعداد وتنفيذ البحث العلمي. وقد كشفت الدراسة عن بعض القصور التي يعانيها نسق الإشراف العمى بالجامعات المصرية؛ ومن ثم تصبح عقبات تمثل مشكلات تواجه الباحثين الشبان، من بين تلك المشكلات ما يلي:
1- نقص الكوادر الإشرافية من الأساتذة المتخصصين، الأمر الذي يؤدى إلى تكدس الباحثين لدى الأستاذ بالقسم العلمي؛ إضافة إلى انخراط معظم الباحثين وتكدسهم في تخصص واحد – تخصص الأستاذ – ومن ثم افتقار الأقسام على المدى الطويل إلى بعض التخصصات؛ وتتزايد المشكلة بالجامعات الإقليمية.
2- نتيجة النقص في عدد الكوادر الإشرافية، وتزايد عدد الطلاب المنتظرين لتسجيل الدرجات العلمية يتم توزيع الإشراف على الأساتذة غير المتخصصين في موضوعات البحوث؛ ومن ثم التأثير على جودة البحث أو الرسالة العلمية؛ بالإضافة إلى ضعف استفادة الطالب من المشرف مما يؤثر على جودة عملية التأهيل والتنشئة الأكاديمية للباحثين الشبان.
3- ضعف تمكن بعض المشرفين من تخصص موضوع البحث، نتيجة النقص في التخصصات العلمية المختلفة، خاصة بالجامعات الإقليمية، والاضطرار إلى تجيل الموضوع تحت إشراف غير المتخصصين.
4- عدم تفرغ المشرف العلمي نتيجة الانشغال بالأمور الحياتية ومواجهة أعباء الحياة، وكثرة غيابه، أو السفر، ومن ثم التأثير على جودة أدائه الإشرافي؛ ناهيك عن لجوء الكثير من الباحثين إلى الإصرار على التسجيل لدى أستاذ محدد.
5- طول مدة إعداد الرسالة العلمية نتيجة عدم تفرغ المشرف وقدرته على متابعة وتوجيه الباحثين، خاصة مع كثرة عدد المسجلين تحت إشرافه، ومن ثم صعوبة مراجعة بحوث الطلاب المسجلين تحت إشرافه، الأمر الذي يؤدى إلى تعطيل الباحثين وطول مدة الدراسة؛ مع تجاوز البعض للمدة المحددة والدخول في محاولات لإنقاذ الباحث من الفصل، أو فصله بالفعل.
6- ندرة وجود خطة إشرافية بالأقسام الأكاديمية توضح وتحدد قواعد الإشراف العلمي على الرسائل العلمية، الأمر الذي يحرم صغار أعضاء هيئة التدريس من الاشتراك والمساهمة في عملية الإشراف العلمي، ومن ثم المساهمة في استمرار عملية التنشئة الأكاديمية، وإعداد الأساتذة للإشراف العلمي، بالإضافة إلى مساعدة كبار الأساتذة في متابعة الباحثين ومراجعة أعمالهم.
7- القصور في بعض جوانب العلاقة الإشرافية بين الأستاذ والباحث، سواء من جانب الطالب متمثلة في محاولات الاستغلال، أو اللجوء إلى بعض المحاولات لكسب ود المشرف وتسهيل إجراءاته؛ أو فيما يتصل من جهة الأستاذ المشرف متمثلة في عمليات التدخل السافر في توجيه البحث، أو فرض الرأي وعدم احترام وجهة نظر الباحث والتقليل من رأيه.
8- استغلال البعض من الأساتذة المشرفين لمجهودات الباحث .
ءـ فيما يتعلق بمشكلات إعداد وإنجاز البحث العلمي: عملية إعداد وإنجاز البحث أو الرسالة العلمية تتطلب العديد من المتطلبات سواء المادية أو غير المادية. كما يمر عملية تنفيذ البحث أو الرسالة العلمية بمراحل أساسية وهى:-
المرحلة الأولى: تتصل بكيفية بلورة موضوع البحث، وتكوين الإطار النظري والمنهجي للدراسة؛ وهذا يتطلب توفير مكتبة غنية بالمصادر المختلفة العربية والأجنبية اللازمة لإنجاز تلك المرحلة من البحث.
المرحلة الثانية: تتصل بإجراء وتنفيذ الدراسة الميدانية( التطبيقية )، وذلك يتطلب إجراءات متعددة كل منها يستلزم جهد إنساني، وموارد مالية تفي بتحقيق أهداف الدراسة التطبيقية من حيث التمهيد لها وإعدادها وتنفيذها.
المرحلة الثالثة: تتعلق بعملية إخراج الدراسة في شكلها النهائي وفق الشروط المحددة للرسالة العلمية، وتقديمها للجنة الحكم، ومن ثم إجازتها؛ هذه المرحلة تتطلب مجهودات مالية كبيرة لا يقوى عليها كثير من الباحثين الشبان. وقد توصلت الدراسة إلى العديد من المشكلات التي يواجهها الباحثون الشبان خلال تلك المراحل وهى:
· فيما يتصل بمرحلة بلورة موضوع البحث وتكوين الإطار النظري والمنهجي، تبين وجود العديد من المشكلات التي تواجه الباحثين الشبان في إنجاز هذه المرحلة منها:
1- نقص التمويل اللازم لإنجاز تلك المرحلة كغيرها من المراحل الأخرى التالية؛ خاصة وأن الباحثين الشبان يعانون من ضعف المرتبات وعدم كفايتها لمسايرة الحياة العامة؛ ناهيك عن إنجاز البحث أو الرسالة العلمية؛ إضافة إلى وجود الكثير من الباحثين الشبان لا يعملون، ومن ثم صعوبة تمكنهم من تمويل البحث، واللجوء إلى مصادر أخرى للتمويل.
2- تتزايد مشكلات الباحثين الشبان بالجامعات الإقليمية الخاصة بمتطلبات إنجاز تلك المرحلة والمراحل التالية، حيث القصور في البنية التحتية البحثية وافتقار مكتباتها الجامعية للمصادر والمعلومات اللازمة للوفاء بمتطلبات البحث؛ ومما يزيد من تلك الصعوبات، البعد الجغرافي عن مكتبات الجامعات المركزية، ومكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وتوافر الأساتذة وحلقات السيمينارات والندوات والملتقيات وورش العمل العلمية، والاحتكاك بالجماعات والمدارس العلمية بالجامعات المركزية. إضافة إلى صعوبات السفر والإقامة وما يتطلب ذلك من نفقات مالية.
3- افتقار البيئة البحثية الجامعية لمتطلبات البحث الجامعي؛ حيث افتقار المكتبة الجامعية إلى مصادر المعلومات ونظم المعلومات الحديثة اللازمة لاستيفاء البحث العلمي وضعف المصادر الأجنبية، ونقص وقدم المراجع، وضعف نظم التصنيف والأرشفة، وعدم قدرتها على مسايرة التقنيات الحديثة في مجال المعلومات، وغلبة الإجراءات البيروقراطية في التعامل مع الباحثين، وتعقيد نظم الإعارة للطلاب والباحثين.
4- اقتصار المكتبة العلمية الجامعية على الدور التقليدي للمكتبة والمتمثل في الخدمة المكتبية كنظم الإعارة الداخلية والخارجية فقط؛ وانعدام الدور العلمي والوظيفة الحديثة للمكتبة العصرية، المتمثل في النشاط العلمي( سيمنارات- لقاءات علمية- محاضرات- دعوة خبراء- برامج ودورات تدريبية على مهارات البحث العلمي- تقنيات المعلومات).
5- ضعف ارتباط المكتبات بشبكة المعلومات العالمية( الإنترنت )؛ والموجود في بعضها يفرض رسوما لا يقوى عليها كثير من الباحثين الشبان.
6- افتقار أغلب الأقسام العلمية بالجامعات المصرية إلى وجود مكتبات متخصصة بها تسهل على الباحثين والأساتذة فرص الإطلاع والحصول على المعلومات اللازمة للبحث العلمي، وتصبح آلية من آليات تجميع الباحثين وإجراء حوارات أكاديمية داخل الأقسام الأكاديمية،وخلق شبكة اجتماعية فاعلة على حد تعبير كل منFaountain& Callon& latour& Roth، ومن ثم خلق بيئة أكاديمية صالحة للتنشئة الأكاديمية للباحثين الشبان.
· فيما يتعلق بتنفيذ الجانب التطبيقي( الميداني): كشفت الدراسة عن العديد من المشكلات التي تواجه الباحثين الشبان أثناء إجراء وتنفيذ العمل الميداني أو التطبيقي، منها ما يتصل بالباحث ذاته، ومنها ما يتصل بمصادر التمويل للدراسة الميدانية أو التطبيقية، ومنها ما يتصل بالواقع الميداني بعناصره الثقافية، ومنها ما يتصل بالمبحوثين؛ كل ذلك يمثل تحديا أمام الباحثين الشبان في سبيل الانتهاء من إنجاز الدراسة التطبيقية أو الميدانية وفقا للشروط العلمية وبما يمكنهم من اكتساب المهارات البحثية وأخلاقيات البحث العلمى، ومن ثم تنشئة أكاديمية سليمة. ويمكن عرض أهم المشكلات التي توصلت إليها الدراسة في النقاط التالية:-
1- الإجراءات البيروقراطية أثناء الحصول على الموافقات للنزول إلى الميدان
2- الإجراءات الأمنية الطويلة اللازمة للحصول على التصاريح والموافقة للنزول إلى الميدان لإجراء التطبيق الميداني.
3- النقص في المهارات الميدانية لدى كثير من الباحثين الشبان نتيجة ضعف التدريب على إجراء البحوث الميدانية
4- الضعف في نظم تصميم أدوات جمع البيانات والحقائق؛ الأمر الذي يضع صعوبات في فهم بنود الأداة وأسئلتها بالنسبة للمبحوثين، ومن ثم بذل جهد طويل من قبل الباحث، مما يؤدى إلى طول فترة الدراسة.
5- ضعف التعاون مع الباحثين الشبان داخل الميداني
6- الموروث الثقافي السائد الذي يشكل عقبة أما تنفيذ البحث العلمي، حيث التخوف من البحث، والخوف من الإدلاء بالبيانات للمبحوثين
7- المتطلبات المالية الكبيرة اللازمة لتغطية تكاليف الدراسة الميدانية من طبع الاستمارات وتطبيقها، وملء بياناتها، وتفريغ البيانات، وعملية إجراء التحليلات الإحصائية وما تتطلبه من مصاريف، إضافة إلى عمليات كتابة التقرير النهائي، وطبع الرسالة ونسخ الأعداد المطلوب تقديمها للجامعة ولجنة الحكم على الرسالة.
ثامنا: مقترحات وتوصيات
البحث العلمي عملية تعاونية ترتكز على الجهد الجماعي المنظم غير الارتجالي ، لذا لا بد للمهتمين بجوانب البحث العلمي من تنظيم لقاءات دورية، تناقش فيها كافة المشاكل والعقبات التي تعوق تقدم البحث العلمي، ويعرض الباحث فى هذا الجزء بعض المقترحات حول تطوير البحث العلمي الجامعي، وتفعيل دور الدراسات العليا ومنها:
1- مراجعة برامج الدراسات الجامعية والعليا سواء من حيث المحتوى التدريسي، وطبيعة المقررات الدراسية المطروحة، وضرورة، استيعاب تلك المقررات للمتغيرات العالمية فى مجال التوجهات النظرية والمنهجية الحديثة فى مجالات التخصص؛ مع التركيز على المقررات التى تفى بتطوير مهارات البحث العلمى. إضافة الى مرجعة طرق التدريس ونظم الإشراف العلمى، المدة الزمنية لبرنامج الدراسات العليا، ويقترح لتنفيذ ذلك الغرض الدعوة إلى تشكيل لجان وهيئات جامعية عليا على مستوى الجامعات المصرية، تكون مهمتها متابعة وتقييم برامج الدراسات الجامعية وكذا الدراسات العليا لمعرفة مدى ارتباط برامج هاتين المرحلتين بأهداف البحث العلمى فى مجال التخصص، ومعرفة مدى تطابق برامج الجامعات مع المعايير الدولية، أو المعايير التي تضعها تلك الهيئات، وتقديم تقارير عن تلك البرامج في الجامعات ووضع برامج لتطويرها؛ واقتراح برامج لتوزيع ميزانية الجامعات على أساس أداء هذه الجامعات في الدراسات الجامعية والعليا وبما يتناسب مع جهود هذه الجامعات التدريسية والبحثية إذكاءً لروح المنافسة بين الجامعات.
2- التأكيد على دور الإشراف الجيد والفعال على مستوى الدراسات الجامعية والعليا في صقل مواهب الطلاب وتوجيههم الوجهة الصحيحة التى تمكن الطلاب من اتقان مهارات التفكير والبحث العلمى؛ ومن ثم الارتقاء بمستوى المنتج البحثى( الرسالة العلمية ). ويتطلب ذلك مراجعة وتطوير نظم الإشراف العلمى، وتفعيله عن طريق تحديد عدد الطلاب، وتشجيع الإشراف المشترك داخل الأقسام العلمية، خاصة المدرسين حتى يتدربوا على ممارسة عملية الاشراف العلمى، وكذا مساعدة الأساتذة فى عملية الاشراف حتى لاتبدوا شكلية نتيجة تضخم العدد لدى الأستاذ الواحد، أو إرهاقه خاصة وأنه مشغول بالتدريس لكل من الدراسات العليا من جهة، مرحلة الليسانس/ البكالوريوس من ناحية أخرى، إضافة الى الأعباء الادارية والمهام الأخرى الخارجية( الأكاديمية، وغير الأكاديمية). كما يتطلب تفعيل دور الإشراف، تنمية شبكة العلاقات الاجتماعية والأكاديمية بين المشرف العلمى والطالب بحيث تسمح برفع درجة التعاون بينهما، ومن ثم المتابعة المستمرة والجيدة للطلاب، ومن ثم إنهاء طلاب الدراسات العليا وإنجازهم لبحوثهم في الوقت المحدد لهم.
3- توحيد المعايير المستخدمة فى الحكم على الرسائل العلمية، والعمل على إيجاد سياسة واضحة لدى الأقسام الأكاديمية لتحديد موضوعات أطروحات طلاب الدراسات العليا بحيث يمكن تفادي الوقت الطويل الذي يقضيه الباحث في تحديد موضوع الأطروحة.
4- توفير الجو العلمي المناسب الذي يتيح للباحثين الشبان وأعضاء هيئة التدريس التركيز على جوانب البحث والإنتاج العلمي، وذلك من حيث الناحية المادية، وتهيئة الترتيبات البحثية اللازمة والخدمات البحثية المساندة لعملية البحث.
5- ترسيخ أهمية البحث العلمي في الجامعات والمراكز البحثية سواء لدي صانعي القرار المالي والسياسي، أو لدي المجتمع، عن طريق تعزيز دور الهيئات الحكومية والأهلية، والقطاع الخاص فى عملية التعاون والتطوير والتمويل للبحث الجامعي، والعلم عامة.
6- زيادة ميزانيات البحث العلمي في الجامعات المصرية بما يتلائم ومتطلبات البحث الجامعى. ويتم ذلك من خلال تنظيم الندوات واللقاءات العلمية وورش العمل، تعرض من خلالها نتائج البحث العلمي وعرضه على رجال الأعمال والمجتمع، وتسويقه بصورة جيدة. تمهيدا لربط البحث العلمى بمجالات الانتاج، وتجسير الفجوة بينهما، الأمر الذى يؤدى الى زيادة التمويل من القطاع الانتاجى الخاص للبحث العلمى
7- محاولة التخلص من الرتابة الإدارية، والبيروقراطية فى التعامل مع الباحثين الشبان سواء فى إدارة الدراسات العليا، أو داخل الأقسام العلمية، أو أثناء التعامل معهم داخل المكتبات الجامعية، وتوفير المرونة الإدارية الكافية لتشكيل مناخ أكاديمى رفيع يساعد على تحقيق تنشئة أكاديمية رفيعة المستوى، ورفع مستوى البحث العلمي الجامعى، والبعد عن المركزية المفرطة عند إدارة البحث العلمي، وتسهيل العمليات الإدارية المتعلقة بنشر أعمال الباحثين الشبان، خاصة العروض المقدمة منهم، ومساعدتهم على عرض ملخصات رسائلهم العلمية التى تم إجازتها فى الدوريات العلمية بالكليات المختلفة بعد استيفاء الشروط النظامية للنشر.
8- السعي الى تفعيل دور مراكز البحوث والاستشارات الموجودة داخل الكليات، وعلى مستوى جميع الجامعات؛ واتخاذها كمراكز تأهيل وإعداد للباحثسن والعلماء الشبان على التفكير العلمي والبحث، وذلك عن طريق إعادة تنظيمها بطريقة جديدة، لاتقتصر على مجرد تنظيم ندوة، أو مؤتمر سنوى يهدف الى الربح فقط؛ وانما ينظم وفقا للائحة تنظيمية، تحدد الوظائف الجديدة، حيث يعتمد اعتماد كليا على ادماج الباحثين الشبان من المعيدين والمدرسين المساعدين، بحيث يكونوا هم الآداة والغاية فى ذات الوقت؛ وتتحدد أهدافه فى الآتى:-
- تسويق الخبرات داخل الجامعات، وربط الجامعة والبحث العلمي بالمجتمع وقضاياه.
- اجراء البحوث والدراسات التى يكلف بها من قبل الهيئات أو المؤسسات الحكومية أو الأهلية، أو القطاع الخاص
- عقد ورش العمل الأسبوعية حول بعض الموضوعات من حقول علمية متنوعة؛ يكون التركيز فيها على الباحثين الشبان من حيث التنظيم والاعداد حتى يتم تدريبهم على الاعداد والتنظيم للحلقات العلمية.
- التنسيق مع الأقسام العلمية بحيث يصبح القسم العلمي وحدة فرعية متكاملة مع المركز.
- تدريب الباحثين الشبان على كيفية دعوة كبار الأساتذة العلماء فى مجالات التخصص لإلقاء المحاضرات والعروض فى مجالات التخصص، حتى يقف الباحثون الشبان على كل جديد من انتاج اساتذتهم وتفعيل التواصل بين الأجيال.
- طرح أجندة بحثية للمركز تركز على مشاريع للبحث ذات ابعاد متعددة التخصات على مستوى الكليات، بحيث يسمح بحثها ودراستها بطريقة تحقق التدريب على اجراء الدراسات البينية للتخصصات؛ و يكلف الباحثون الشبان باختيار موضوعات رسائلهم العلمية من بينها، ويمول المركز هذه البحوث، بحيث تسمح بمساعدة الباحثين على التمويل من جهة، وضمان المتابعة والاشراف العلمى من جهة ثانية، والافادة من تطبيق نتائج البحث من جهة ثالثة، وصقل مهارات التفكير والبحث العلمي البيني من جهة رابعة
- تنظيم لقاءات علمية على المستوى القومى، تجمع الباحثين من مختلف الجامعات المصرية والجامعات العربية والأجنبية يتم من خلالها التواصل والتفاعل بين الباحثين، ونقل الخبرات البحثية.
- اعداد برامج لتنمية المهارات البحثية، خاصة مهارات تكنولوجيا المعلومات، والتعلم الالكترونى، والبحث فى قواعد المعلومات الالكترونية على غرار المراكز البحثية العالمية، وذلك لما لهذه المراكز من دور كبير في توحيد الجهود ورعاية الموهوبين من الدارسين والباحثين الناشئين .
- تذويد المراكز بمكتبة متخصصة توفر احدث الكتب والدوريات العلمية فى حقول التخصصات، وربطها بشبكة الانترنت وقواعد البيانات العالمية.
- الاهتمام بالتدريب على التفكير العلمى، وكذا التدريب على مهارات البحث العلمي منذ مرحلة مبكرة في حياة الطالب الدراسية ابتداء من مرحلة البكالوريوس، ونقترح في هذا الجانب أمرين الأول : أن يتم تنظيم مؤتمر سنوي لطلاب المرحلة الجامعية يأخذ الصيغة الرسمية لمعنى كلمة مؤتمر علمي، يناقش فيه نخبة متميزة من طلاب الجامعات بحوثهم التي أنجزوها في مشاريع التخرج وتحت إشراف لجنة من أعضاء هيئة التدريس في التخصصـات المعنية؛ يقدم كل طالب بإشراف عضو هيئة تدريس ورقة بحثية علمية يلقيها الطالب في المؤتمر، وتخرج ضمن كتيب ذلك المؤتمر، وتوضع جوائز أدبية، أو مالية للطلاب المتفوقين. والثاني: أن تحث الأقسام الأكاديمية الطلاب الذين أنهوا مرحلة الماجستير وبعد تسجيلهم لمرحلة الدكتوراه، بل قد يكون أحد المتطلبات، المشاركة ولو حضورياً في مؤتمرات أو ورش عمل أو مدارس صيفية علمية عالمية.
- التركيز على ضرورة وجود تعاون محلي بين الباحثين في المجال الواحد من داخل مصر، و إتاحة الفرصة للباحثين للتعرف على الباحثين الآخرين في الجامعات والأقسام الأخرى عن طريق عقد اللقاءات الدورية كالندوات العلمية، وورش العمل، والسيمينارات بهدف التواصل العلمي، ومد جسور التواصل البحثي، وتكوين مجموعات بحثية قوية يسهل من خلالها مناقشة الأمور البحثية، وتطوير البحث العلمي، والتنسيق لعقد ندوات منتظمة وبشكل دوري في جامعات مختلفة، والتنسيق بين الباحثين لإلقاء ونشر أبحاثهم العلمية في ندوات تعقد ضمن هذه اللقاءات، يتم من خلالها تبادل الأفكار والآراء العلمية وإثراء البحث العلمي وتعزيز جانب التعاون المحلي بين الباحثين.
- تفعيل دور الجمعيات العلمية والأكاديمية في مجال البحث العلمى، عن طريق الدعوة إلى عقد ورش عمل متخصصة، يشارك فيها علماء وباحثون متخصصون من داخل مصر وخارجها للوقوف على مستجدات البحث العلمي والاستفادة من أفكار وخبرات الآخرين الذين سبقوا في هذا المجال؛ وإتاحة الفرصة للباحثين الشبان وطلاب العليا للتعرف على التوجهات البحثية المختلفة والمداخل النظرية والمنهجية الحديثة فى مجالات التخصص المختلفة؛ الأمر الذى يمكنهم من تنمية مهارات وقدرات التقكير العلمى، ووصقل المهارات البحثية التي ستساعدهم في اختيار موضوعات أطروحاتهم العلمية، والقدرة على استيفاء متطلبات الدرجة العلمية فى الوقت المحدد.

دراسه علمية حول ثقافة المخدرات

أجرى الدكتور / عبدالوهاب جودة، دراسة علمية حول ثقافة المخدرات لدى الريفيين، ويمكن عرض ملخص الدراسة على النحو الآتي:-

أولا: أهداف البحث: يمكن للباحث تحديد أهداف البحث في الأبعاد الآتية:-

1- الكشف عن علاقة النسق الأيكولوجي بانتشار ظاهرة المخدرات بالريف.

2- رصد أهم ملامح ثقافة المخدرات لدي الريفيين.

3- الوقوف على المصادر المكونة لمضمون ثقافة المخدرات لدي الريفيين.

4- الكشف عن الأدوار التي تلعبها ثقافة الإدمان في منح العضوية إليها.

5- الوصول إلي أسلوب مناسب لتكوين ثقافة مضادة لثقافة الإدمان.

ثانيا: مشكلة البحث: حدد الباحث مشكلة البحث في التساؤل الرئيس الأتي: " ما ملامح وأبعاد ثقافة المخدرات لدي سكان الريف بالمجتمع المصري ؟" وللإجابة عن هذا التساؤل حاول الباحث الإجابة عن التساؤلات الفرعية التالية:-

- ما المعارف والمعلومات السائدة لدى عمال الزراعة حول ظاهرة المخدرات وإدمانها.

- ما طبيعة المعتقدات والاتجاهات الشائعة حول المخدرات وتأثير كل منها.

- ما أهم المعارف المتداولة والتي يحرص المستفيدون من المخدرات علي تداولها.

- ما ملامح وأبعاد جلسة تعاطي المخدرات؟ وما مدى ماتحققه من إشباعات مختلفة لأعضائها.

- ما الرؤى المتبادلة بين المتعاطي للمخدرات والأفراد الآخرين في السياقات المختلفة.

- ما موقف مؤسسات الضبط الرسمي وغير الرسمي من ظاهرة تعاطي المخدرات.

ثالثا: الإطار النظري للدراسة: نحو إطار مفاهيمي: تناول الباحث بالتحليل المفاهيم المتصلة بموضوع الدراسة، والرؤى المختلفة حيالها، وهي: 1- مفهوم الثقافة0 2- ثقافة المخدرات وخصائصها. 4 - التحولات البنائية التي شهدها الريف المصري، وتشكيل ثقافة المخدرات؛ متضمنة التحولات الثقافية في القرية المصرية ( مادية، ومعرفية ) والتحولات في منظومة القيم الاجتماعية( قيم العمل، وقيم الإنتاج والاستهلاك (قيمة الأرض)، والقيم العائلية، وقيم الضبط الاجتماعي). مستندا إلى التحليل البنائي التاريخي للمجتمع المصري.

رابعا: الإجراءات المنهجية للبحث

1- أسلوب الدراسة وطرائقها: اتجهت الدراسة اتجاها سوسيو-انثروبولوجيا مرتكزة علي الأسلوب الوصفي؛ اعتمد فيها الباحث على مجموعة إجراءات منهجية تمزج بين الطرائق الكمية والكيفية، كما استعان الباحث بأسلوب تحليل البيانات الجاهزة، والإحصاءات التي وفرها مركز المعلومات بالوحدات المحلية التابع لها قريتي الدراسة؛ وأجريت دراسة ميدانية مستخدمة عدة طرق منهجية لجمع المعلومات والبيانات هي:

· طريقة المقابلة المتعمقة المفتوحة باعتبارها الطريقة الرئيسة للدراسة، حيث تم تطبيق دليل المقابلة علي عدد 50 حالة من سكان القريتين.

· طريقة مجموعة النقاش البؤرية، حيث تم إجراء خمسة حلقات نقاش منظمة، قادها الباحث بنفسه، منها حلقتين مع المتعاملين مع المخدرات تعاطيا؛ وحلقتين من السكان المحليين غير المتعاطين، وحلقة مع المتعاملين مع تجارة المخدرات. وبلغ حجم مفردات المجموعات الخمس 36 مفردة، اعتبرها الباحث بمثابة خطوة استطلاعية كشفت عن بينات ساعدت في صياغة متغيرات الدراسة الميدانية.

· دراسة الحالة المتعمقة، حيث تم إجراء دراسة متعمقة مع 5 حالات من المتعاملين مع المخدرات، الذين توفروا أثناء إجراء العمل الميداني، من بينهم 3 حالات ممن تم القبض عليهم في قضايا تعاطي واتجار.

· الإخباريين، حيث اعتمد الباحث علي بعض الأفراد الذين لهم معرفة بتاريخ الظاهرة وكبار السن، والمهنيين بالقريتين، كالحلاقين، وهم أكثر الأفراد معرفة بالتجار والمتعاطين، وغالبا ما تروى القصص والأحاديث عن المخدرات داخل محلاتهم.

· إضافة إلي معايشة الباحث لثقافة القريتين ولديه معرفة تامة بثقافتيهما نظرا لأنه من أبناء قرية مروان.

2- الأدوات المستخدمة في البحث: نظرا لتعدد الطرائق، فقد اعتمد الباحث علي عدة أدوات بحثية، في مقدمتها دليل المقابلة الذي استخدم وطبق علي مفردات العينة؛ ودليل مجموعة النقاش البؤرية، وقد احتوي علي خمسة محاور تغطي البيانات المطلوبة تم تطويعه لكل من المجموعات المرتبطة بالظاهرة، والمجموعات التي لا علاقة لها بالمخدرات. كما اعتمد الباحث علي أدوات مساعدة أخري كالملاحظات العينية المباشرة، والتصوير الفوتوغرافي. وقد استغرق العمل الميداني من الفترة يناير 2003 إلي أخر مايو 2003.

3- مجتمع البحث: تحدد مجتمع البحث في قطاع جغرافي مميز يتمثل في منطقة تجمع بين ثلاث محافظات من الوجه البحري هي: الشرقية والقليوبية والدقهلية؛ والمنطقة( مجتمع الدراسة ) تضم عددا من القرى المتقاربة جغرافيا، ويتوسطها مركز التقاء مروري يرتبط بخط مروري إلي القاهرة والزقازيق والمنصورة. وقد تم اختيار قريتي كفر أبو نجاح- شرقية، وكفر مروان- قليوبية و ما يتبعهم من كفور وعزب فرعية؛ علي اعتبار أن القرية الأولي لها تاريخ طويل بظاهرة المخدرات، و القرية الثانية تضم تسعة قري تابعة لها، من بينها خمس قري تشترك في الزمام الزراعي مع القرية الأولي، و تربطهم علاقات إنتاجية واجتماعية، وأخري عرقية بقرية أبو نجاح شرقية؛ كما تشكل القرية الفرعية القريبة من قرية أبو نجاح، شريكا وندا في الاتجار والتعاطي للمخدرات. من هنا يعتبر مجتمع الدراسة ميدانا خصبا للدراسة العلمية لثقافة المخدرات.

عينة الدراسة

اعتمدت الدراسة علي العينة العمدية، مستخدمة الإجراءات العلمية لتحديد مفرداتها، وطرق اختيارها، حيث قام الباحث باختيار مفردات مجموعات النقاش البؤرية في كل من القريتين بشكل عمدي عن طريق ترشيح بعض الحالات من المتعاطين للمفردات وإقناعهم بالبحث؛ كما تم اختيار عدد مفردات مجموعتي النقاش البؤرية بالقريتين بنفس الطريقة. أما مجموعة النقاش البؤرية الخاصة بالمتعاملين مع المخدرات تجارة، فقد اعتمد الباحث علي أحد المبحوثين الذي يثق في الباحث، وقام بترشيح وإحضار مفردات المجموعة بنفسه لمقر انعقاد الجلسة. أما مجموعة النقاش من غير المتعاطين، تم اختيار مجموعة واحدة من كل قرية بطريقة الصدفة. وفيما يتعلق بالعينة الخاصة بحالات الدراسة والبالغ عددهم 50 حالة، تم اختيارهم بطريقة الصدفة أيضا؛ إضافة إلي خمس حالات متعمقة، وبعض الإخباريين بالقريتين.

خامسا: نتائج الدراسة الميدانية وتوصياتها

1- استخلاصات

يمكن الانتهاء من الدراسة الميدانية لثقافة المخدرات لدي الريفيين إلي استخلاص عدة نتائج من أهمها:

1- إن التحول الذي أصاب القرية المصرية في بنائها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا، له علاقة مباشرة بما تعانيه القرية من زيادة قاعدة المعدمين وارتفاع نسبة المعاناة من الفقر، والتحول من الزراعة إلي أساليب أخري لكسب العيش. ومع انفتاح القرية علي المجتمعات المجاورة(بفضل الطرق والمواصلات، وانفتاحها علي الثقافة المحلية من جهة، والعالمية من جهة أخري عن طريق البث الإعلامي الفضائي والمحلي، وتعرضها للوافد الثقافي الغربي بكل مضامينه، تغيرات منظومة القيم وتبدلت بقيم أخري يشترك معها فيها المجتمع بكل فئاته السكانية، وكل مناطقه الجغرافية، ولم تعد حكرا علي منطقة أو فئة ما.

2- تبلور مجموعة من المعارف لدي سكان الريف حول المخدرات، سواء من حيث زراعاتها، أو تجارتها، أو تعاطيها. وأماكن انتشارها، والأنواع الأكثر انتشارا بالقرية، والشرائح والفئات الاجتماعية التي تنتشر بينها، والأعمار الأكثر إقبالا علي تعاطيها، كما تعددت مصادر تشكيل الأفكار والتصورات حول المخدرات، حيث جاء في مقدمة هذه المصادر جماعة الأصدقاء باعتبارها الجماعة المرجعية، ثم تراث القرية وخبرتها التاريخية بالمخدرات تعاطيا وتجارة وانفتاحها علي العالم الخارجي، وتعاطي بعض أفراد الأسرة للمخدرات والتعامل معها، إضافة إلي وسائل الإعلام، لاسيما التليفزيون بما يعرضه من برامج درامية حول المخدرات. وتتأكد ثقافة المخدرات بتعدد العوامل المهيئة والمساعدة علي انتشارها، منها ما هو موضوعي يتمثل في الخلل الذي أصب القرية المصرية نتيجة التحولات البنيوية خلال العقود الماضية، وما أفرزه من مشكلات كانتشار البطالة، ووفرة المواد المخدرة وتداولها عن طريق التهريب، إضافة إلي عجز مؤسسات الضبط الاجتماعي عن قيامها بالوظائف المنوطة بها، لاسيما الأسرة نتيجة التغيرات التي مرت بها القرية؛ وهناك عوامل أخري شخصية ترتبط بالأفراد تتمثل في جماعة الرفاق، ورغبة الشص في التجريب، واختبار ما يشاع عن ما تحققه المخدرات من فوائد. أ وأساليب جلبها إلي القرية.

3- انتشار بعض الأوهام لدي المتعاطين من سكان الريف عن فوائد وأثار المخدرات كتهدئة الأعصاب، والمساعدة علي حل المشكلات، ونسيان الهموم، والتركيز أحيانا، والانتعاش والفرفشة وإشاعة البهجة والسرور، إلا أن البعض أبدي اتجاها رافضا نحو تعاطي المخدرات.

4- تشكل ثقافة المخدرات بالفعل ثقافة فرعية داخل الثقافة العامة للقرية وإن كانت التغيرات الثقافية للقرية المصرية قد لعبت دورا في خلق هذا النموذج الفرعي للثقافة وتدعيمه؛ حيث أن ما كان يسود القرية المصرية ولفترات طويلة من قيم التضامن، والتكاتف، وسيادة قوي الضبط الاجتماعي غير الرسمية(ممثلة في سلطة الأسرة علي الأبناء وهيبة الأب وعمل حساب للأم)، قد أصابها الخلل والضعف والسلبية واللامبالاة، وسيادة قيم الفردية والأنانية؛ إضافة إلي العجز الواضح من جانب قوي الضبط الرسمية علي الظاهرة. كما أدت كثرة السكان في القرية، إلي إضعاف نمط العلاقات القوية التي كانت تربط أهل القرية جميعا، وقدرتها على التأثير.

5- يعبر التزايد المستمر لأعداد الداخلين الجدد إلي مجال التعاطي عن قدرة هذه الثقافة الفرعية علي جذب هؤلاء الأفراد، والعمل علي انتشار الظاهرة، لا سيما وأن هذه الجماعة تقدم لهؤلاء الحانقين علي المجتمع- والذين لم يجدوا السبيل لتحقيق ذواتهم- الفرص للإحساس بالولاء والانتماء لجماعة ما ويظل إضفاء البطولة والقصص الوهمية علي شجاعات زائفة ظرفا مهيئا للإعجاب بهؤلاء الخارجين علي القانون، والمتحدين للسلطات باعتبار ذلك نوع من الرفض للمجتمع الذي لم تسمح أوضاعه باستقطابهم كعناصر فاعلة فيه.

6- تتضمن ثقافة المخدرات ما يشبه التبرير لهذه السلوكيات كنتيجة للمعاناة من البطالة ونقص فرص العمل وكثرة الفترات التي يقضيها الشباب دون عمل يستقطبه أو ما يشغل وقت فراغه، ولا سيما وقد رأوا فيما يبثه الإعلام من أفلام عن المخدرات، أو ما تعرضه الفضائيات من مادة إعلامية متباينة ما يبعث علي الإفساد حتى مع محاولاته المحافظة والالتزام.

7- يعد توافر المادة المخدرة وعدم القدرة علي السيطرة عليها، أو تحجيم هذه الوفرة باعثا علي الاستخدام حتى من جانب الفقراء الذين تحايلوا علي ضعف الإمكانيات المادية بالتدخين الجماعي الذي استثمرت فيه كمية قليلة من المادة المخدرة بصورة تسمح بالاستفادة الجماعية، وهو ما أطلقوا عليه ( طريقة الكوب، أو الخيمة)؛ وأيضا عن طريق عمل جمعيات ينفقون منها علي المخدر، أو التعاطي "علي الحساب"، والتسديد حين ميسرة، وهو ما سعي إليه التجار والموزعون لتحقيق مزيد من الترويج لبضاعتهم.

8- لقد أدي الانتشار والتعاطي إلي توافر معلومات ومعارف لدي سكان الريف حول المخدرات وتأثيرها، بغض النظر عما إذا كانت المعارف مصدرها الخبرة الشخصية أم أنها أتت عن طريق الثقافة المتناقلة شفهية أو سماعيا.

9- تدعم وتمكن ثقافة المخدرات البدء في تعاطي المخدرات؛ كما أن التعاطي لأول مرة ليس بغرض التجربة السعيدة وحب الاستطلاع، وإنما بغرض اختبار القيود العائلية أيضا، والآثار المترتبة عليها، و " الهروب منها ". وتتفق هذه النتيجة مع ما طرحه البعض حول الاستخدام الأولي لتعاطي المخدرات، لاسيما لدي الشباب والمراهقين بأنه قرار سياسي ( رمزي ) للاتجاه والاعتقاد في الحراك المرفوض اجتماعيا؛ وأكدت تلك الدراسات أن البداية الأولي لسوء استعمال المخدرات ترتبط بثلاث خصائص شخصية تتضمن: الطلب العالي للفكاهة، وانخفاض تجنب الأذى، والحصول علي مكافئة؛ وغالبا ما يميل الشباب والصغار إلي الخصائص الاندفاعية، والإثارة والميل إلي الاستكشاف ( Warrant; Gorham& Lamont, 1997 ).

10- تصبح ثقافة الإدمان عامل هام في تدعيم العلاقة المستدامة مع المخدرات والإدمان؛ ذلك أن أعضاء ثقافة الإدمان لا يدمنون المخدر جسديا فقط، ولكن أسلوب الحياة يكسبهم الشعور بالحياة وتصديقها، انه الأسلوب الذي يكسبهم القبول النسبي، وتأسيس علاقة أولية بالمخدرات؛ وغالبا ما يستبدل متعاطي المخدرات عائلته الأصلية بجماعة الإدمان.

11- الثقافة المسببة للإدمان منظمة، حيث تتضمن، أولئك الذين يجندون ويلقنون الأعضاء الجدد، وأولئك الذين يقومون بدور الفلاسفة للجلسة، وأيضا السياسيون ( واضعي ومتخذي القرارات)، وغالبا ما يضفون الشرعية الدينية/ الصورية لاستدامة العضوية. ويشبه تنظيم ثقافة الإدمان كثيرا أي جماعة، تبدأ بالمجموعة الاجتماعية، وشبكة ملتزمة بتصديق ودعم بعضهم البعض، هذه الجماعة معرفة " كالقبائل "، ومستندة علي المخدر المختار، حيث يرتبط متعاطي البانجو بمتعاطي البانجو، ومتعاطي الحشيش بمتعاطي الحشيش، ولا تعمم خصائص جماعة( شلة ) علي جماعة أخري متعارضة قائمة علي اختيار مخدر معين. إن كل مجموعة مصنفة وفقا للمنزلة ( المكانة )، يتضمن ذلك مخدر البانجو، ومخدر الحشيش، والحبوب المخدرة، والأدوية، يقدر كل ذلك وفقا للقيمة، حيث يحتل المخدر المشهور كالبانجو علي أقل قيمة مستندة علي الاستخدام المنخفض للخطر، بينما يستحوذ المخدر الممنوع علي قيمة أعلي مستندا علي العرض والطلب، ودرجة الخطر في الاستخدام. و كما أن طلب العضوية في ثقافة الإدمان عملية مغرية ولا شعورية في أغلب الأحيان، فهي تستلزم الفشل في الثقافة المضادة للإدمان، وإعادة تنشئته اجتماعيا وفقا للقيم والمعتقدات الأساسية لثقافة الإدمان، وتتطلب العضوية في الغالب تبديل الهوية الشخصية، وإعادة ترتيب العادات والطقوس اليومية للقدرة علي استخدام المخدر، والاشتراك مع الجماعة ( الشلة ) التي بعود العضو المدمن إليها. تقوض الثقافة المسببة للإدمان القيم العائلية والارتباطات الاجتماعية، وتتطلب الولاء الكلي بالمشاركة فقط في أسلوب حياة أعضاء الإدمان الآخرين؛ إنه أسلوب حياه يروج للطمع، والاندفاعية أو التهور، وسوء الاستخدام، والعنف المتكرر؛ إنه أسلوب حياه يروج للشعور المزيف بالأمان، والإحساس المشوه بالكفاءة الذاتية، هو ذلك الإحساس المشوه للذات فيما يتعلق ببيئته التي تجعل إعادة التأهيل خطرة وغير ثابتة.

12- تتشكل الثقافة المسببة للإدمان عادة بالعقوبات السياسية، ووصمة العار الاجتماعية، الأمر الذي يزيد من جاذبيتها لأولئك الأعضاء من المجتمع الذين يميلون إلي تحدي المعايير القائمة. عادة، تميل السياسة العامة إلي عزل هؤلاء الأعضاء الذين يعانون من أوضاع اجتماعية متدنية مقارنة بالآخرين؛ كالمعاناة من البطالة، والتشرد، والجريمة، والتفكك الأسري، وصعوبة الحصول علي حقوقهم من الاحتياجات الأساسية، كل ذلك يزيد من العضوية في ثقافة المخدرات. لقد أشار Bourgourgois, 1989 إلي أن الاستغلال الطبقي ينتج تصور " بظلم حتمي "، تدعم الدخول في ثقافة الإدمان؛ حيث أكد علي أن الشعور بالإحباط والكآبة والقلق يولدان ضعفا إلي الاندماج في استعمال المخدرات المحظورة، لاسيما التجارة باعتبارها مجالا جذابا للكثيرين من الذين لا يجدون عمل شرعي في مكان آخر. إن سؤ استخدام المواد المخدرة عموما، وتهريب المخدرات يشكل خطرا كبيرا، ويعرض رؤى للتحول والانتقال من الفقر إلي الثروة، ومن التفاهة إلي الاحترام.

أ‌- التوصيات

مما سبق، يمكن للباحث الانتهاء إلي توصية محددة للتصدي للثقافة المسببة للإدمان

انطلاقا من العرض السابق، و بناء علي الاستنتاجات السابقة، يتضح تأثير السياق الثقافي الاجتماعي المحلي والعالمي في انتشار وتيسير ثقافة المخدرات بالقرية المصرية، ذلك السياق الذي يتسم بالطابع الأبوي القائم علي مبدأ أحادية التوجيه والأمر، والتلقين، والتقليد والمحاكاة، ومن ثم الجنوح نحو التمرد علي السلطة الأبوية بالتوجيه نحو المخدرات. كما أن تلك الثقافة تقدس وتمجد الذكورة، وتختزل الذكورة والأنوثة في بعد الرغبة الجنسية المباشرة، ومثل هذه الرموز الثقافية تيسر قبول ادعاءات البعض بأن المخدرات تدعم الكفاءة الجنسية والاستمتاع بها. ويدعم ذلك ما يسود بين هذه الثقافة من عناصر خرافية تدعو إلي القسمة والنصيب. وعلي المستوي العالمي فإن التيارات الثقافية الوافدة بمضامينها المختلفة تحاول تفكيك بنية الثقافة المحلية، وإضفائها وتفريقها بين مضمونها وخصوصيتها، وتعميم النموذج الغربي الذي يدعو إلي الانفتاح، مستخدما كافة الوسائل التي تستميل الأفراد إليها، حيث تساعد علي جذب الأفراد القرويين بل والحضريين أيضا إلي سلوك الإدمان وتعاطي المخدرات.

يتطلب القضاء علي هذا الوضع تطوير ثقافة أخري مضادة لثقافة المخدرات؛ ثقافة تتميز بالديناميكية والمرونة، وقوة التأثير والإقناع، والقدرة علي توضيح الآثار المدمرة لتعاطي المخدرات والإدمان. ولكي تكتسب الثقافة هذه الصفات يجب أن تبني علي أسس علمية. وتعتمد علي تفعيل دور المؤسسات الموكل إليها القيام بمهمة إنتاج الثقافة المقاومة للمخدرات ونشرها، وهي المؤسسات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، والهيئات التطوعية المؤمنة بضرورة مواجهة ثقافة المخدرات.

إن إمكانية إعادة التأهيل يتطلب إعادة ترتيب التعزيز الاجتماعي، والمعتقدات الثقافية للاعتماد علي المخدر. يتم إعادة التأهيل من خلال برنامج " إعادة المثاقفة Reculturization " للتحرر من " تدخل الشلة "، والتعجيل من تطوير وتقوية أسلوب حياة راقي ومستمر. إن تحرر الشخص من الاعتماد علي المخدر بنفسه بسيط نسبيا، يتطلب بضعة أيام من التدخل الطبي Medical Intervention . كما إن إعادة التأهيل للذات الطبيعية ( الجسدية ) ربما يتطلب وقت أكبر وتدخل طبي بسبب التدمير الذي أحدثه المخدر في جسم الكائن الحي. إن مهمة فصل المدمن من تعزيز ثقافة الإدمان يكون صعب جدا؛ وربما يكون مفتاح لفهم خصائص التعزيز للدور الثقافي الذي لعبه الشخص المدمن في الاعتماد علي المجتمع، وتسهيل انتقال ذلك الدور إلي ثقافة الاعتدال. إذا كان التدخل الطبي ضروري لإزالة الأعراض الجسمية، فإن التدخل لتعديل الجوانب السلوكية والعاطفية ضروري أيضا. إن فصل الشخص المدمن بنجاح من ثقافة الإدمان التي تكيف معها، يجب أن يستخدم نظام دعم مماثل؛ ويتطلب الشفاء تعديل السلوكيات المسببة للإدمان، والتحكم، أو إدارة العواطف، والأفكار المسببة للإدمان. إن الأسلوب الأكثر فعالية للفريق المعالج هي التي تركز في معالجتها علي تغيير تكييف الأدوار الاجتماعية كعنصر تكاملي في عمليات المعالجة ( Deleon& Joinchil, 1995) ؛ كما أن التحرر من جماعة التعاطي يعجل من عمليات الشفاء. إن الفشل في قدرة الفريق المعالج علي فصل المتعاطي من جماعة التعاطي، يؤدي إلي العودة للجماعة المسببة للإدمان، واستئناف الدور الثقافي داخل تلك الجماعة المسببة للإدمان. وعلي الرغم من الألم والمرض الجسمي، فإن التعزيز المزود بالثقافة المدمنة يكون قوي جدا، وفي أغلب الأحيان يكون أكثر جاذبية من الثقافة الصحية. إن فهم الانسحاب الاجتماعي ( الجذب الاجتماعي ) القوي المدعوم بثقافة الإدمان، وتركيز برامج إعادة التأهيل في تعريف القيم المسببة للإدمان والتي تجعل القيم الصحية أكثر جاذبية ورغبة، ويكون هو الهدف العام للشفاء. الارتباط بالجماعة يدعم الشفاء، والثقافة التي تؤكد علي أهمية إيجاد القيم البديلة مقبولة حتى الآن لكي تمتزج بالثقافة المسببة للإدمان، وبكمية مساوية مع الأسلوب الصحي السليم والثابت.

دراسة علمية حول التاثيرات الاجتماعية لاستخدامات الشباب للهاتف المحمول


الأستاذ الدكتور / عبدالوهاب جودة

دراسة ميدانية حول استخدامات الشباب للهاتف المحمول،
 تضمنت الدراسة عدة محاور يمكن عرضها على النحو الآتي:-

أولا: الهدف من الدراسة: تكمن أهمية الدراسة في محاولة فهم وتفسير العلاقات المتبادلة بين ظاهرة استعمال الهاتف النقال والبناء الاجتماعي الثقافي العربي؛ والوقوف علي طرق، وعادات استعمال الأفراد للهاتف، وطرح المقترحات المناسبة لتوجيه استعمالاته الوجهة الرشيدة.
ثانيا: مشكلة البحث: تحددت مشكلة البحث في التساؤل الرئيس التالي " ما التأثيرات الاجتماعية لاستخدام الهاتف النقال لدي الشباب الجامعي؟ ". وللإجابة عن التساؤل الرئيسي تحاول الدراسة الإجابة عن الأسئلة الفرعية الآتية:-
1- ما أنماط استخدام الشباب الجامعي العربي للهاتف النقال؟
2- ما مبررات استخدام الشباب الجامعي العربي للهاتف النقال؟
3- ما علاقة استخدام الشباب الجامعي للهاتف النقال بالتحرر من الأماكن المحلية؟
4- ما العلاقة بين استخدام الهاتف النقال والتمايز الاجتماعي بين الشباب؟
5- ما تأثيرات استخدام الهاتف النقال علي العلاقات الأسرية للشباب؟
6- ما علاقة استعمال الهاتف بالاغتراب لدي الشباب؟
7- ما تأثير استخدام الهاتف النقال علي منظومة القيم الاجتماعية لدي الشباب؟
8- ما أنماط استخدام الشباب للهاتف في مجال التعليم؟ وما تأثيراته التعليمية؟
ثالثا: الإطار النظري للدراسة: تناولت الدراسة الرؤى المختلفة لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة و التغير الاجتماعي؛ لاسيما المداخل الحديثة كمدخل العولمة وتكنولوجيا المعلومات، وما بعد الحداثة، لتوضيح العلاقات المتبادلة بين السياق الثقافي والتكنولوجيا، وعلاقات القوة؛ والرؤى المطروحة حول استخدامات الهاتف المحمول عالميا؛ كما استفادت الدراسة من التراث النظري المتاح حول ظاهرة استخدام المحمول.
رابعا: الإجراءات المنهجية للدراسةاعتمدت الدراسة علي المدخل السوسيوأنثربولوجي مستخدمة الأسلوب الوصفي التحليلي ( كميا وكيفيا ) في دراسة أبعاد ظاهرة استعمال الهاتف الجوال، ومدي تأثيراتها علي الحياة الاجتماعية للشباب الجامعي العربي. ولتحقيق أهداف الدراسة اتبع الباحث عدة إجراءات منهجية تمثلت في الخطوات الآتية:-
1- مصادر البيانات: اعتمدت الدراسة علي مصدرين أساسيين في الحصول علي البيانات والحقائق اللازمة لتحقيق الأهداف؛ المصدر الأول بشري، تمثل في طلاب جامعتي عين شمس بمصر والسلطان قابوس بسلطنة عمان باعتبارهم مجتمعي الدراسة المسحية؛ كما تضمن أيضا طلاب الجامعات المصرية المختلفة والتي تم ملاحظة طرق استعمالهم للهاتف الجوال أثناء حضورهم الدورات التدريبية بمعسكر إعداد القادة بحلوان خلال الأربع سنوات الماضية، وكذا أثناء اللقاءات الشبابية المجمعة بمختلف الجامعات؛ إضافة إلي معايشة طلاب الجامعات العربية خلال شهر مارس من كل عام أثناء مشاركتهم في مهرجان أيام الشعوب بجامعة عين شمس؛ كما استقي الباحث البيانات والمشاهدات من طلاب الجامعات السورية من خلال معايشتهم 17 يوما بسورية خلال يوليو 2005 أثناء رئاسته للوفد الثقافي المصري إلى جامعة حلب[*]. المصدر الثاني: وثائقي ( رمزي )، تمثل في نصوص الرسائل النصية المتاحة والمتداولة بين الشباب؛ حيث تم تجميع 1380 رسالة نصية، منها 850 رسالة من الشباب المصري، 530 رسالة نصية من الشباب العربي عير المصري.
2- مجتمع البحث: اقتصرت الدراسة المسحية بالعينة علي مجتمعين فقط هما: جامعة عين شمس بمصر، وجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان. أما بالنسبة للمجتمعات العربية الأخرى أنفة الذكر، اقتصر الباحث فيها علي المقابلات والملاحظات المباشرة والمناقشات الجماعية فقط.
3- عينة البحث: اعتمد الدراسة المسحية علي أسلوب العينة العمدية( غير الاحتمالية ) في اختيار المفردات، مستخدمة طريقتي الحصة وكرة الثلج في اختيار المفردات، حيث روعي تمثيل العينة لجميع الكليات العلمية والأدبية، وكذا جميع الفرق الدراسية بالجامعتين محل الدراسة المسحية؛ والحصول علي مفرداتها من خلال معرفة وترشيح الطلاب من مستخدمي الهاتف المحمول شريطة أن يكون مضي علي اقتناءه 6 أشهر علي الأقل؛ وقد بلغ حجم العينة 569 مفردة.
4- طرق وأدوات البحث: لتحقيق أهداف البحث، لم تقتصر الدراسة علي أداة المسح ( الاستبيان) فقط، وإنما تنوعت أدوات جمع الحقائق والبيانات، حيث تمثلت في الآتي:-
أ‌- طريقة المسح الاجتماعي، باستخدام أداة الاستبيان، حيث تم تصميم صحيفة استبيان تضمنت خمسة محاور هي: الأول: يتصل بالبيانات الأساسية؛ والثاني: يتعلق بأنماط استخدام الشباب الجامعي للهاتف؛ والثالث: يتعلق بمبررات استخدامهم له؛ والرابع: يتصل بالتأثيرات الاجتماعية والثقافية للهاتف؛ والأخير: يتعلق بتأثيرات استعمال الهاتف علي قواعد النظام التعليمي.
ب‌- طريقة مجموعات النقاش البؤرية، حيث تم عقد 8 مجموعات بؤرية بجامعة عين شمس خلال فبراير 2005، كما تم عقد 8 مجموعات بجامعة السلطان قابوس خلال أكتوبر2005، استخدم فيهم دليل المناقشة الجماعية تضمن أربع محاور شملت أنماط استخدام الهاتف، وتأثيراته المختلفة.
ت‌- طريقة الملاحظة المباشرة: حيث اعتمد الباحث علي الملاحظة بنوعيها البسيط والمعايشة للكثير من الطلاب داخل الجامعة، وأثناء تنفيذ فعاليات الأنشطة الطلابية، والمعسكرات الشبابية الطويلة؛ إضافة إلي ملاحظة السلوكيات الطلابية داخل قاعات المحاضرات.
ث‌- المقابلات المفتوحة، والمناقشات الجماعية: حيث أجري الباحث مقابلات متعمقة مع عديد من طلاب الجامعات المصرية والعربية التي اتيح له التواجد معهم؛ إضافة إلي إجراء الحوارات والنقاشات مع الطلاب أثناء انعقاد المحاضرات.
ج‌- طريقة تحليل المضمون مستخدما قراءة النص: حيث تم تحليل مضمون الرسائل النصية والمصورة التي تم جمعها وتصنيفها بهدف معرفة أنماطها والمعاني التي تعكسها للكشف عن قيم وتوجهات الشباب الجامعي.
5- خطة الدراسة الميدانية وتحليل البيانات: بعد تحديد هدف الدراسة ووضع المخطط المنهجي لها، وإعداد أدوات جمع المعلومات، بدأ الباحث في جمع البيانات والحقائق والمشاهدات الامبيريقية. وقد تم تنفيذ الدراسة المسحية علي فترتين زمنيتين، حيث تم تطبيق المرحلة الأولي في جامعة عين شمس خلال الفترة من نوفمبر 2004 وحتى مارس 2005. أما المرحلة الثانية قد تم تنفيذها خلال الفترة من سبتمبر- أكتوبر 2005 بعد انتقال الباحث للعمل بجامعة السلطان قابوس. وخلال الفترة من 2004وحتي 2005 استطاع الباحث جمع بيانات وملاحظات عديدة، حول أنماط استخدام الشباب الجامعي العربي للهاتف المحمول وتأثيراته المختلفة.
أأما تحليل البيانات، فقد استخدم الباحث المنظومة الإحصائية SPSS في تحليل البيانات، معتمدا علي أساليب التحليل الوصفي( الأوزان النسبية لكافة المتغيرات )، واستخدام المقارنة الوصفية البسيطة بين الشباب المصري والشباب الخليجي.
سادسا: النتائج النهائية: انتهت الدراسة إلي تشكل ثقافة للهاتف المحمول لدي الشباب العربي، تلك الثقافة التي تكونت تدريجيا بعناصرها المادية المتمثلة في الأجهزة وتقنياتها المختلفة، والعناصر المعيارية المتمثلة في أسلوب استعمالاته المتنوعة، وتوقيتاته وما تعكسه من معايير وقيم واتجاهات ومعارف، وما تشكله من وجدان، وتأثيراتها علي البناء الاجتماعي. ويمكن توضيح ذلك في النقاط الآتية:-
1- علي مستوى استعمال الشباب للهاتف: توصلت الدراسة إلي سيادة استخدام الشباب الجامعي للهاتف، ومتابعة كل جديد في عالم الهواتف، والتتبع المتقدم لتقنياته المختلفة واستخدامها. كما اتضح أن الهاتف النقال قد أدي إلي تغيير نمط التفاعل والتواصل الاجتماعي بين الأفراد، عن طريق المكالمات والمحادثات، والتواصل عن طريق التراسل بمختلف أنواعه، كالتراسل النصي، والتراسل والتواصل متعدد الوسائط باستخدام النص، و الأشكال والنماذج، والفيديو كليب والانترنت؛ الأمر الذي أدي إلي تشكيل ثقافة الرسائل النقالة بين الأفراد، لاسيما الشباب. وتوصلت الدراسة إلي أن دوافع استعمال الهاتف في التفاعل الاجتماعي تتحدد في التواصل مع الأهل والأصدقاء، وحفظ المذكرات، وترتيب المواعيد وتنظيم الوقت، والتسلية والترفيه وملئ وقت الفراغ، والتفاخر وإعلاء الذات، ومتابعة الأخبار والأحداث. وتبين غلبة الطابع السلبي علي استخدام الشباب العربي للهاتف، حيث التركيز علي الاستعمالات غير المفيدة، والمحادثات الغرامية والعاطفية، لاسيما من خلال الرسائل النصية.
2- على مستوي التأثيرات الاجتماعية: كشفت الدراسة عن وجود تأثيرات اجتماعية وثقافية لاستخدامات الشباب الجامعي للهاتف النقال، منها ما هو إيجابي يتمثل في تأكيد التواصل بين الأسرة والأبناء، والقدرة على متابعتهم وهم خارج نطاق المنزل، لاسيما الفتيات، وقدرة الأسرة على ممارسة الضبط الاجتماعي؛ إلاَّ أن التأثيرات الاجتماعية ذات الطابع السلبي لاستعمال الهاتف النقال كانت هي الأوضح بين الشباب الجامعي العربي، حيث اتضح الآتي:-
أ- إعادة صياغة العلاقات الأسرية، نتيجة تغير القواعد والمعايير الضابطة للسلوك الاجتماعي بين أفراد الأسرة في كلا المجتمعين، وقد تمثل ذلك في انتهاك القواعد التقليدية للسلوك الأسري، حيث أتاح الهاتف النقال تسهيل المحادثات بين الشباب من الجنسين دون علم الأسرة، وفي أوقات متأخرة من الليل بعد خلود الآباء إلى النوم، وغياب الأشقاء، لاسيما الكبار من الذكور؛ والمساعدة على انتشار الكذب بين الشباب وأسرهم، وإثارة الشكوك بين الجميع، علاوة على تناقل الأخبار، وإفشاء أسرار الأسرة إلى الآخرين، مما أدى إلى حدوث الكثير من التوترات الأسرية.
ب- زيادة درجة الاغتراب الاجتماعي لدى الشباب الجامعي، وانعزاله عن سياقة الاجتماعي العام، بانكفائه على الذات، والتوحد مع جهازه النقال، واختزال العلاقات الاجتماعية إلى أقل عدد محدود من الأصدقاء، لاسيما المحبين والتواصل معهم على مدار الساعة، والابتعاد عن المحيطين من الأصدقاء والزملاء، وحتى أفراد الأسرة، الأمر الذي أدى وبالضرورة إلى ضعف الحوارات الشخصية، والتفاعلات الاجتماعية وجها لوجه، وفقدان المعنى الاجتماعي للجلسات الاجتماعية، حتى داخل الأسرة، ومن ثم فقدان المؤانسة الاجتماعية.
ج- زيادة التحول في أنساق القيم الاجتماعية، والمساهمة في تأكيد قيم الرأس مالية، تلك القيم التي تدعوا إلى الفردية، والتخصصية، والاهتمام بالربح، أو المكسب السهل السريع، والاهتمام بالمظهر، والبعد عن القيم الجماعية، والتقليدية. لقد أتاح الهاتف النقال انتشار منظومة قيمية متصاعدة بين الشباب الجامعي بمجتمع الدراسة على السواء، قيم تتسم بالاهتمام والتأكيد على المظهرية والتفاخر، والمباهاه الاجتماعية، والميل إلى الاستهلاك البذخي والترفي، والميل إلى الاقتراض والديون، وفقدان قيم الترشيد.
د- شيوع أنماط من الانحرافات والسلوكيات الشاذة التي تخرج عن قواعد الذوق العام، واللياقة الاجتماعية، كالانحراف السلوكي، واللجوء إلى نشر الأخبار الكاذبة، وتداولها فيما بينهم، وتلويث سمعة الآخرين من الزملاء والأساتذة.
هـ- التحرر من الأماكن والبيئات المحلية، وسهولة التنقل خارج المجتمع المحلي. لقد مكن الهاتف النقال – كوسيلة اتصال – الأفراد من التواصل والتفاعل الاجتماعي عبر المسافات الطويلة، في أي مكان وزمان، وتخطى كافة الحواجز المكانية والتحرر منها، وعدم الشعور بالغربة، أو العزلة الاجتماعية، وتحمل فترات الغياب عن الأسرة، أثناء الدراسة، أو أثناء الرحلات الطويلة، لاسيما بالمجتمع العماني نتيجة تميزه بتضاريس وجبال وعرة، وتباعد المسافات بين الأماكن، ووجـود الغالبيـة العظمـى ( أكثر من 90% من طلاب الجامعة ) مغتربين عن أسرهم.
3- على مستوي التأثيرات التعليمية: انتهت الدراسة الميدانية إلى وجود تأثيرات إيجابية للهاتف النقال داخل النظام التعليمي، وأخرى سلبية. واتضحت التأثيرات الإيجابية في تأكيد التواصل بين الطلاب وبعضهم البعض، والتواصل مع إدارة الجامعة، لاسيما بين طلاب جامعة السلطان قابوس، والتواصل مع أعضاء هيئة التدريس، الاستفسار عن بعض المشكلات التعليمية، ومعرفة نتائج الامتحانات. أما التأثيرات السلبية في المجال التعليمي والتي كشفت عنها الدراسة، تمثلت في انتهاك قواعد النظام التعليمي، وتتمثل في: إعادة صياغة القواعد العامة للسلوك الاجتماعي داخل الحرم الجامعي، والميل إلى إتباع سلوكيات تثير الإزعاج، وعدم مراعاة الذوق العام. كما تبين انتهاك الشباب لقواعد النظام التعليمي، وتخطى القواعد المعمول بها أكاديمياً، لاسيما فيما يتعلق باختراق قواعد التعامل والاحترام داخل قاعات الدراسة، حيث انشغال الغالبية من الطلاب، بل التوحد بالهاتف أثناء المحاضرة، والانعزال عن الأستاذ المحاضر، وإرسال الرسائل واستقبالها، وتبادل المعلومات والقفشات والمزاح فيما بينهم، الأمر الذي أدى إلى انخفاض مستوى التحصيل الدراسي لدي الطلاب. إضافة إلي ذلك، المساعدة على تفشي ظاهرة الغش في الامتحانات، وابتكار وسائل جديدة في تناقل واستقبال الإجابات على أسئلة الامتحانات دون علم الآخرين، لاسيما بعد ابتكار خدمات تقنية حديثة " كالبلوتوث".
- المقترحات: انطلاقا من العرض السابق، و بناء علي الاستنتاجات السابقة، يتضح تأثير السياق الثقافي الاجتماعي المحلي والعالمي في انتشار وتيسير ثقافة استعمال الهاتف النقال لدي الشباب العربي، ذلك السياق الذي يتسم بالتطور والنمو السريع تكنولوجيا ومعلوماتيا؛ إضافة إلي نمو التوجهات الرأسمالية وانتشار الشركات الرأسمالية في مجال الاتصالات والبحث عن آليات متجددة لاستمالة وجذب أكبر عدد من المستهلكين لخدماتها، ومن ثم تعزيز ثقافة الاستهلاك، لاسيما في مجال استعمل الشباب للهاتف النقال الذي، وما أتاحه من خصوصية وحرية متكاملة في مجال الاتصال والتفاعل الاجتماعي؛ هذا الوضع يتطلب تكاتف الجهود المختلفة لمواجهة تأثيرات تلك الظواهر؛ ولموجهة التأثيرات السلبية لاستخدام التكنولوجيا، لاسيما وسائل الاتصال يجب مراعاة الآتي:-
1- ضرورة تخصيص وحدات أو أقسام داخل مراكز البحوث الاجتماعية والتربوية، تتولي رصد الظواهر الثقافية- الاجتماعية المستجدة، المصاحبة للتغير الاجتماعي، والتقدم التكنولوجي، كالمعلوماتية، والانترنت، والهواتف النقالة، والهندسة الو راثية..الخ؛ وتشخيص التأثيرات المتبادرة بين تلك الظواهر وعناصر البناء الاجتماعي، وانعكاساتها علي الأفراد، وتقديم الحلول الفورية لمواجهة آثارها، ونشر ثقافة متكاملة الجوانب حيال ترشيد استعمالاتها.
2- ضرورة عقد مؤتمرات وندوات علمية يناقش فيها التطورات التكنولولوجية وانعكاساتها علي البناء الاجتماعي بنظمه المختلفة، وتحديد السبل المختلفة لترشيد استخدامها وإمكانية الحد من آثارها، والمساهمة في صياغة ونشر الثقافة الايجابية حول التكنولوجيا، وتعظيم الاستفادة منها، لاسيما في مجال التعليم والتدريب.
3- ضرورة الانتهاء من تلك اللقاءات العلمية العربية إلي صياغة ميثاق عربي حيال استعمال الهاتف النقال، لاسيما بين المراهقين والشباب، وتحديد القواعد اللازمة للحد من سؤ استعماله، وأخطاره السلبية علي الأخلاقيات والمعايير ومنظومة القيم الاجتماعية.
4- تشكيل ثقافة ايجابية فيما يتصل بترشيد وتوجيه استعمال الأفراد للهاتف المحمول واستغلاله الاستغلال الأمثل، وتدعيم دوره في مجال التفاعل الاجتماعي. يتطلب القضاء علي هذا الوضع تطوير ثقافة موجهة؛ ثقافة تتميز بالديناميكية والمرونة، وقوة التأثير والإقناع، والقدرة علي توضيح الآثار المدمرة لسوء استعمال الهاتف. ولكي تكتسب الثقافة هذه الصفات يجب أن تبني علي أسس علمية، وتعتمد علي تفعيل دور المؤسسات الموكل إليها القيام بمهمة إنتاج الثقافة، وهي المؤسسات الحكومية، والمؤسسات الدينية ومنظمات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، والهيئات التطوعية المؤمنة بضرورة مواجهة التأثيرات السلبية لاستخدام التكنولوجيا
5- ضرورة وضع مجموعة من الإجراءات والقواعد التي تنظم عملية استعمال الهاتف الجوال في التفاعل والتواصل الاجتماعي داخل النظام التعليمي، لاسيما فيما يتعلق بمدي استعماله داخل قاعات الدراسة وأثناء المحاضرات، وأثناء انعقاد الاختبارات، والحد من عمليات الغش ( الغش الالكتروني، أو الخلوي )، وكذا تحديد استعماله، وتلافي الضوضاء وعشوائية التفاعل الاجتماعي داخل الحرم الجامعي.
ثامنا: المراجع والهوامش: 88 مرجع، منهم 4 مراجع عربية، 84 مرجع أجنبي.
[*] كان الباحث مسئولا عن الإشراف العام علي قطاع رعاية الشباب والطلاب بجامعة عين شمس خلال الفترة من 2002 وحتى نهاية 2005 ومسئولا عن كافة اللقاءات والمهرجانات المحلية والدولية التي تعقدها أو تشترك فيها الجامعة مما أتيح له ملاحظات امبيريقية هائلة حيال الظاهرة.