الأحد، 11 مايو 2008

دراسه علمية حول ثقافة المخدرات

أجرى الدكتور / عبدالوهاب جودة، دراسة علمية حول ثقافة المخدرات لدى الريفيين، ويمكن عرض ملخص الدراسة على النحو الآتي:-

أولا: أهداف البحث: يمكن للباحث تحديد أهداف البحث في الأبعاد الآتية:-

1- الكشف عن علاقة النسق الأيكولوجي بانتشار ظاهرة المخدرات بالريف.

2- رصد أهم ملامح ثقافة المخدرات لدي الريفيين.

3- الوقوف على المصادر المكونة لمضمون ثقافة المخدرات لدي الريفيين.

4- الكشف عن الأدوار التي تلعبها ثقافة الإدمان في منح العضوية إليها.

5- الوصول إلي أسلوب مناسب لتكوين ثقافة مضادة لثقافة الإدمان.

ثانيا: مشكلة البحث: حدد الباحث مشكلة البحث في التساؤل الرئيس الأتي: " ما ملامح وأبعاد ثقافة المخدرات لدي سكان الريف بالمجتمع المصري ؟" وللإجابة عن هذا التساؤل حاول الباحث الإجابة عن التساؤلات الفرعية التالية:-

- ما المعارف والمعلومات السائدة لدى عمال الزراعة حول ظاهرة المخدرات وإدمانها.

- ما طبيعة المعتقدات والاتجاهات الشائعة حول المخدرات وتأثير كل منها.

- ما أهم المعارف المتداولة والتي يحرص المستفيدون من المخدرات علي تداولها.

- ما ملامح وأبعاد جلسة تعاطي المخدرات؟ وما مدى ماتحققه من إشباعات مختلفة لأعضائها.

- ما الرؤى المتبادلة بين المتعاطي للمخدرات والأفراد الآخرين في السياقات المختلفة.

- ما موقف مؤسسات الضبط الرسمي وغير الرسمي من ظاهرة تعاطي المخدرات.

ثالثا: الإطار النظري للدراسة: نحو إطار مفاهيمي: تناول الباحث بالتحليل المفاهيم المتصلة بموضوع الدراسة، والرؤى المختلفة حيالها، وهي: 1- مفهوم الثقافة0 2- ثقافة المخدرات وخصائصها. 4 - التحولات البنائية التي شهدها الريف المصري، وتشكيل ثقافة المخدرات؛ متضمنة التحولات الثقافية في القرية المصرية ( مادية، ومعرفية ) والتحولات في منظومة القيم الاجتماعية( قيم العمل، وقيم الإنتاج والاستهلاك (قيمة الأرض)، والقيم العائلية، وقيم الضبط الاجتماعي). مستندا إلى التحليل البنائي التاريخي للمجتمع المصري.

رابعا: الإجراءات المنهجية للبحث

1- أسلوب الدراسة وطرائقها: اتجهت الدراسة اتجاها سوسيو-انثروبولوجيا مرتكزة علي الأسلوب الوصفي؛ اعتمد فيها الباحث على مجموعة إجراءات منهجية تمزج بين الطرائق الكمية والكيفية، كما استعان الباحث بأسلوب تحليل البيانات الجاهزة، والإحصاءات التي وفرها مركز المعلومات بالوحدات المحلية التابع لها قريتي الدراسة؛ وأجريت دراسة ميدانية مستخدمة عدة طرق منهجية لجمع المعلومات والبيانات هي:

· طريقة المقابلة المتعمقة المفتوحة باعتبارها الطريقة الرئيسة للدراسة، حيث تم تطبيق دليل المقابلة علي عدد 50 حالة من سكان القريتين.

· طريقة مجموعة النقاش البؤرية، حيث تم إجراء خمسة حلقات نقاش منظمة، قادها الباحث بنفسه، منها حلقتين مع المتعاملين مع المخدرات تعاطيا؛ وحلقتين من السكان المحليين غير المتعاطين، وحلقة مع المتعاملين مع تجارة المخدرات. وبلغ حجم مفردات المجموعات الخمس 36 مفردة، اعتبرها الباحث بمثابة خطوة استطلاعية كشفت عن بينات ساعدت في صياغة متغيرات الدراسة الميدانية.

· دراسة الحالة المتعمقة، حيث تم إجراء دراسة متعمقة مع 5 حالات من المتعاملين مع المخدرات، الذين توفروا أثناء إجراء العمل الميداني، من بينهم 3 حالات ممن تم القبض عليهم في قضايا تعاطي واتجار.

· الإخباريين، حيث اعتمد الباحث علي بعض الأفراد الذين لهم معرفة بتاريخ الظاهرة وكبار السن، والمهنيين بالقريتين، كالحلاقين، وهم أكثر الأفراد معرفة بالتجار والمتعاطين، وغالبا ما تروى القصص والأحاديث عن المخدرات داخل محلاتهم.

· إضافة إلي معايشة الباحث لثقافة القريتين ولديه معرفة تامة بثقافتيهما نظرا لأنه من أبناء قرية مروان.

2- الأدوات المستخدمة في البحث: نظرا لتعدد الطرائق، فقد اعتمد الباحث علي عدة أدوات بحثية، في مقدمتها دليل المقابلة الذي استخدم وطبق علي مفردات العينة؛ ودليل مجموعة النقاش البؤرية، وقد احتوي علي خمسة محاور تغطي البيانات المطلوبة تم تطويعه لكل من المجموعات المرتبطة بالظاهرة، والمجموعات التي لا علاقة لها بالمخدرات. كما اعتمد الباحث علي أدوات مساعدة أخري كالملاحظات العينية المباشرة، والتصوير الفوتوغرافي. وقد استغرق العمل الميداني من الفترة يناير 2003 إلي أخر مايو 2003.

3- مجتمع البحث: تحدد مجتمع البحث في قطاع جغرافي مميز يتمثل في منطقة تجمع بين ثلاث محافظات من الوجه البحري هي: الشرقية والقليوبية والدقهلية؛ والمنطقة( مجتمع الدراسة ) تضم عددا من القرى المتقاربة جغرافيا، ويتوسطها مركز التقاء مروري يرتبط بخط مروري إلي القاهرة والزقازيق والمنصورة. وقد تم اختيار قريتي كفر أبو نجاح- شرقية، وكفر مروان- قليوبية و ما يتبعهم من كفور وعزب فرعية؛ علي اعتبار أن القرية الأولي لها تاريخ طويل بظاهرة المخدرات، و القرية الثانية تضم تسعة قري تابعة لها، من بينها خمس قري تشترك في الزمام الزراعي مع القرية الأولي، و تربطهم علاقات إنتاجية واجتماعية، وأخري عرقية بقرية أبو نجاح شرقية؛ كما تشكل القرية الفرعية القريبة من قرية أبو نجاح، شريكا وندا في الاتجار والتعاطي للمخدرات. من هنا يعتبر مجتمع الدراسة ميدانا خصبا للدراسة العلمية لثقافة المخدرات.

عينة الدراسة

اعتمدت الدراسة علي العينة العمدية، مستخدمة الإجراءات العلمية لتحديد مفرداتها، وطرق اختيارها، حيث قام الباحث باختيار مفردات مجموعات النقاش البؤرية في كل من القريتين بشكل عمدي عن طريق ترشيح بعض الحالات من المتعاطين للمفردات وإقناعهم بالبحث؛ كما تم اختيار عدد مفردات مجموعتي النقاش البؤرية بالقريتين بنفس الطريقة. أما مجموعة النقاش البؤرية الخاصة بالمتعاملين مع المخدرات تجارة، فقد اعتمد الباحث علي أحد المبحوثين الذي يثق في الباحث، وقام بترشيح وإحضار مفردات المجموعة بنفسه لمقر انعقاد الجلسة. أما مجموعة النقاش من غير المتعاطين، تم اختيار مجموعة واحدة من كل قرية بطريقة الصدفة. وفيما يتعلق بالعينة الخاصة بحالات الدراسة والبالغ عددهم 50 حالة، تم اختيارهم بطريقة الصدفة أيضا؛ إضافة إلي خمس حالات متعمقة، وبعض الإخباريين بالقريتين.

خامسا: نتائج الدراسة الميدانية وتوصياتها

1- استخلاصات

يمكن الانتهاء من الدراسة الميدانية لثقافة المخدرات لدي الريفيين إلي استخلاص عدة نتائج من أهمها:

1- إن التحول الذي أصاب القرية المصرية في بنائها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي أيضا، له علاقة مباشرة بما تعانيه القرية من زيادة قاعدة المعدمين وارتفاع نسبة المعاناة من الفقر، والتحول من الزراعة إلي أساليب أخري لكسب العيش. ومع انفتاح القرية علي المجتمعات المجاورة(بفضل الطرق والمواصلات، وانفتاحها علي الثقافة المحلية من جهة، والعالمية من جهة أخري عن طريق البث الإعلامي الفضائي والمحلي، وتعرضها للوافد الثقافي الغربي بكل مضامينه، تغيرات منظومة القيم وتبدلت بقيم أخري يشترك معها فيها المجتمع بكل فئاته السكانية، وكل مناطقه الجغرافية، ولم تعد حكرا علي منطقة أو فئة ما.

2- تبلور مجموعة من المعارف لدي سكان الريف حول المخدرات، سواء من حيث زراعاتها، أو تجارتها، أو تعاطيها. وأماكن انتشارها، والأنواع الأكثر انتشارا بالقرية، والشرائح والفئات الاجتماعية التي تنتشر بينها، والأعمار الأكثر إقبالا علي تعاطيها، كما تعددت مصادر تشكيل الأفكار والتصورات حول المخدرات، حيث جاء في مقدمة هذه المصادر جماعة الأصدقاء باعتبارها الجماعة المرجعية، ثم تراث القرية وخبرتها التاريخية بالمخدرات تعاطيا وتجارة وانفتاحها علي العالم الخارجي، وتعاطي بعض أفراد الأسرة للمخدرات والتعامل معها، إضافة إلي وسائل الإعلام، لاسيما التليفزيون بما يعرضه من برامج درامية حول المخدرات. وتتأكد ثقافة المخدرات بتعدد العوامل المهيئة والمساعدة علي انتشارها، منها ما هو موضوعي يتمثل في الخلل الذي أصب القرية المصرية نتيجة التحولات البنيوية خلال العقود الماضية، وما أفرزه من مشكلات كانتشار البطالة، ووفرة المواد المخدرة وتداولها عن طريق التهريب، إضافة إلي عجز مؤسسات الضبط الاجتماعي عن قيامها بالوظائف المنوطة بها، لاسيما الأسرة نتيجة التغيرات التي مرت بها القرية؛ وهناك عوامل أخري شخصية ترتبط بالأفراد تتمثل في جماعة الرفاق، ورغبة الشص في التجريب، واختبار ما يشاع عن ما تحققه المخدرات من فوائد. أ وأساليب جلبها إلي القرية.

3- انتشار بعض الأوهام لدي المتعاطين من سكان الريف عن فوائد وأثار المخدرات كتهدئة الأعصاب، والمساعدة علي حل المشكلات، ونسيان الهموم، والتركيز أحيانا، والانتعاش والفرفشة وإشاعة البهجة والسرور، إلا أن البعض أبدي اتجاها رافضا نحو تعاطي المخدرات.

4- تشكل ثقافة المخدرات بالفعل ثقافة فرعية داخل الثقافة العامة للقرية وإن كانت التغيرات الثقافية للقرية المصرية قد لعبت دورا في خلق هذا النموذج الفرعي للثقافة وتدعيمه؛ حيث أن ما كان يسود القرية المصرية ولفترات طويلة من قيم التضامن، والتكاتف، وسيادة قوي الضبط الاجتماعي غير الرسمية(ممثلة في سلطة الأسرة علي الأبناء وهيبة الأب وعمل حساب للأم)، قد أصابها الخلل والضعف والسلبية واللامبالاة، وسيادة قيم الفردية والأنانية؛ إضافة إلي العجز الواضح من جانب قوي الضبط الرسمية علي الظاهرة. كما أدت كثرة السكان في القرية، إلي إضعاف نمط العلاقات القوية التي كانت تربط أهل القرية جميعا، وقدرتها على التأثير.

5- يعبر التزايد المستمر لأعداد الداخلين الجدد إلي مجال التعاطي عن قدرة هذه الثقافة الفرعية علي جذب هؤلاء الأفراد، والعمل علي انتشار الظاهرة، لا سيما وأن هذه الجماعة تقدم لهؤلاء الحانقين علي المجتمع- والذين لم يجدوا السبيل لتحقيق ذواتهم- الفرص للإحساس بالولاء والانتماء لجماعة ما ويظل إضفاء البطولة والقصص الوهمية علي شجاعات زائفة ظرفا مهيئا للإعجاب بهؤلاء الخارجين علي القانون، والمتحدين للسلطات باعتبار ذلك نوع من الرفض للمجتمع الذي لم تسمح أوضاعه باستقطابهم كعناصر فاعلة فيه.

6- تتضمن ثقافة المخدرات ما يشبه التبرير لهذه السلوكيات كنتيجة للمعاناة من البطالة ونقص فرص العمل وكثرة الفترات التي يقضيها الشباب دون عمل يستقطبه أو ما يشغل وقت فراغه، ولا سيما وقد رأوا فيما يبثه الإعلام من أفلام عن المخدرات، أو ما تعرضه الفضائيات من مادة إعلامية متباينة ما يبعث علي الإفساد حتى مع محاولاته المحافظة والالتزام.

7- يعد توافر المادة المخدرة وعدم القدرة علي السيطرة عليها، أو تحجيم هذه الوفرة باعثا علي الاستخدام حتى من جانب الفقراء الذين تحايلوا علي ضعف الإمكانيات المادية بالتدخين الجماعي الذي استثمرت فيه كمية قليلة من المادة المخدرة بصورة تسمح بالاستفادة الجماعية، وهو ما أطلقوا عليه ( طريقة الكوب، أو الخيمة)؛ وأيضا عن طريق عمل جمعيات ينفقون منها علي المخدر، أو التعاطي "علي الحساب"، والتسديد حين ميسرة، وهو ما سعي إليه التجار والموزعون لتحقيق مزيد من الترويج لبضاعتهم.

8- لقد أدي الانتشار والتعاطي إلي توافر معلومات ومعارف لدي سكان الريف حول المخدرات وتأثيرها، بغض النظر عما إذا كانت المعارف مصدرها الخبرة الشخصية أم أنها أتت عن طريق الثقافة المتناقلة شفهية أو سماعيا.

9- تدعم وتمكن ثقافة المخدرات البدء في تعاطي المخدرات؛ كما أن التعاطي لأول مرة ليس بغرض التجربة السعيدة وحب الاستطلاع، وإنما بغرض اختبار القيود العائلية أيضا، والآثار المترتبة عليها، و " الهروب منها ". وتتفق هذه النتيجة مع ما طرحه البعض حول الاستخدام الأولي لتعاطي المخدرات، لاسيما لدي الشباب والمراهقين بأنه قرار سياسي ( رمزي ) للاتجاه والاعتقاد في الحراك المرفوض اجتماعيا؛ وأكدت تلك الدراسات أن البداية الأولي لسوء استعمال المخدرات ترتبط بثلاث خصائص شخصية تتضمن: الطلب العالي للفكاهة، وانخفاض تجنب الأذى، والحصول علي مكافئة؛ وغالبا ما يميل الشباب والصغار إلي الخصائص الاندفاعية، والإثارة والميل إلي الاستكشاف ( Warrant; Gorham& Lamont, 1997 ).

10- تصبح ثقافة الإدمان عامل هام في تدعيم العلاقة المستدامة مع المخدرات والإدمان؛ ذلك أن أعضاء ثقافة الإدمان لا يدمنون المخدر جسديا فقط، ولكن أسلوب الحياة يكسبهم الشعور بالحياة وتصديقها، انه الأسلوب الذي يكسبهم القبول النسبي، وتأسيس علاقة أولية بالمخدرات؛ وغالبا ما يستبدل متعاطي المخدرات عائلته الأصلية بجماعة الإدمان.

11- الثقافة المسببة للإدمان منظمة، حيث تتضمن، أولئك الذين يجندون ويلقنون الأعضاء الجدد، وأولئك الذين يقومون بدور الفلاسفة للجلسة، وأيضا السياسيون ( واضعي ومتخذي القرارات)، وغالبا ما يضفون الشرعية الدينية/ الصورية لاستدامة العضوية. ويشبه تنظيم ثقافة الإدمان كثيرا أي جماعة، تبدأ بالمجموعة الاجتماعية، وشبكة ملتزمة بتصديق ودعم بعضهم البعض، هذه الجماعة معرفة " كالقبائل "، ومستندة علي المخدر المختار، حيث يرتبط متعاطي البانجو بمتعاطي البانجو، ومتعاطي الحشيش بمتعاطي الحشيش، ولا تعمم خصائص جماعة( شلة ) علي جماعة أخري متعارضة قائمة علي اختيار مخدر معين. إن كل مجموعة مصنفة وفقا للمنزلة ( المكانة )، يتضمن ذلك مخدر البانجو، ومخدر الحشيش، والحبوب المخدرة، والأدوية، يقدر كل ذلك وفقا للقيمة، حيث يحتل المخدر المشهور كالبانجو علي أقل قيمة مستندة علي الاستخدام المنخفض للخطر، بينما يستحوذ المخدر الممنوع علي قيمة أعلي مستندا علي العرض والطلب، ودرجة الخطر في الاستخدام. و كما أن طلب العضوية في ثقافة الإدمان عملية مغرية ولا شعورية في أغلب الأحيان، فهي تستلزم الفشل في الثقافة المضادة للإدمان، وإعادة تنشئته اجتماعيا وفقا للقيم والمعتقدات الأساسية لثقافة الإدمان، وتتطلب العضوية في الغالب تبديل الهوية الشخصية، وإعادة ترتيب العادات والطقوس اليومية للقدرة علي استخدام المخدر، والاشتراك مع الجماعة ( الشلة ) التي بعود العضو المدمن إليها. تقوض الثقافة المسببة للإدمان القيم العائلية والارتباطات الاجتماعية، وتتطلب الولاء الكلي بالمشاركة فقط في أسلوب حياة أعضاء الإدمان الآخرين؛ إنه أسلوب حياه يروج للطمع، والاندفاعية أو التهور، وسوء الاستخدام، والعنف المتكرر؛ إنه أسلوب حياه يروج للشعور المزيف بالأمان، والإحساس المشوه بالكفاءة الذاتية، هو ذلك الإحساس المشوه للذات فيما يتعلق ببيئته التي تجعل إعادة التأهيل خطرة وغير ثابتة.

12- تتشكل الثقافة المسببة للإدمان عادة بالعقوبات السياسية، ووصمة العار الاجتماعية، الأمر الذي يزيد من جاذبيتها لأولئك الأعضاء من المجتمع الذين يميلون إلي تحدي المعايير القائمة. عادة، تميل السياسة العامة إلي عزل هؤلاء الأعضاء الذين يعانون من أوضاع اجتماعية متدنية مقارنة بالآخرين؛ كالمعاناة من البطالة، والتشرد، والجريمة، والتفكك الأسري، وصعوبة الحصول علي حقوقهم من الاحتياجات الأساسية، كل ذلك يزيد من العضوية في ثقافة المخدرات. لقد أشار Bourgourgois, 1989 إلي أن الاستغلال الطبقي ينتج تصور " بظلم حتمي "، تدعم الدخول في ثقافة الإدمان؛ حيث أكد علي أن الشعور بالإحباط والكآبة والقلق يولدان ضعفا إلي الاندماج في استعمال المخدرات المحظورة، لاسيما التجارة باعتبارها مجالا جذابا للكثيرين من الذين لا يجدون عمل شرعي في مكان آخر. إن سؤ استخدام المواد المخدرة عموما، وتهريب المخدرات يشكل خطرا كبيرا، ويعرض رؤى للتحول والانتقال من الفقر إلي الثروة، ومن التفاهة إلي الاحترام.

أ‌- التوصيات

مما سبق، يمكن للباحث الانتهاء إلي توصية محددة للتصدي للثقافة المسببة للإدمان

انطلاقا من العرض السابق، و بناء علي الاستنتاجات السابقة، يتضح تأثير السياق الثقافي الاجتماعي المحلي والعالمي في انتشار وتيسير ثقافة المخدرات بالقرية المصرية، ذلك السياق الذي يتسم بالطابع الأبوي القائم علي مبدأ أحادية التوجيه والأمر، والتلقين، والتقليد والمحاكاة، ومن ثم الجنوح نحو التمرد علي السلطة الأبوية بالتوجيه نحو المخدرات. كما أن تلك الثقافة تقدس وتمجد الذكورة، وتختزل الذكورة والأنوثة في بعد الرغبة الجنسية المباشرة، ومثل هذه الرموز الثقافية تيسر قبول ادعاءات البعض بأن المخدرات تدعم الكفاءة الجنسية والاستمتاع بها. ويدعم ذلك ما يسود بين هذه الثقافة من عناصر خرافية تدعو إلي القسمة والنصيب. وعلي المستوي العالمي فإن التيارات الثقافية الوافدة بمضامينها المختلفة تحاول تفكيك بنية الثقافة المحلية، وإضفائها وتفريقها بين مضمونها وخصوصيتها، وتعميم النموذج الغربي الذي يدعو إلي الانفتاح، مستخدما كافة الوسائل التي تستميل الأفراد إليها، حيث تساعد علي جذب الأفراد القرويين بل والحضريين أيضا إلي سلوك الإدمان وتعاطي المخدرات.

يتطلب القضاء علي هذا الوضع تطوير ثقافة أخري مضادة لثقافة المخدرات؛ ثقافة تتميز بالديناميكية والمرونة، وقوة التأثير والإقناع، والقدرة علي توضيح الآثار المدمرة لتعاطي المخدرات والإدمان. ولكي تكتسب الثقافة هذه الصفات يجب أن تبني علي أسس علمية. وتعتمد علي تفعيل دور المؤسسات الموكل إليها القيام بمهمة إنتاج الثقافة المقاومة للمخدرات ونشرها، وهي المؤسسات الحكومية، ومنظمات المجتمع المدني كالأحزاب والنقابات والجمعيات الأهلية، والهيئات التطوعية المؤمنة بضرورة مواجهة ثقافة المخدرات.

إن إمكانية إعادة التأهيل يتطلب إعادة ترتيب التعزيز الاجتماعي، والمعتقدات الثقافية للاعتماد علي المخدر. يتم إعادة التأهيل من خلال برنامج " إعادة المثاقفة Reculturization " للتحرر من " تدخل الشلة "، والتعجيل من تطوير وتقوية أسلوب حياة راقي ومستمر. إن تحرر الشخص من الاعتماد علي المخدر بنفسه بسيط نسبيا، يتطلب بضعة أيام من التدخل الطبي Medical Intervention . كما إن إعادة التأهيل للذات الطبيعية ( الجسدية ) ربما يتطلب وقت أكبر وتدخل طبي بسبب التدمير الذي أحدثه المخدر في جسم الكائن الحي. إن مهمة فصل المدمن من تعزيز ثقافة الإدمان يكون صعب جدا؛ وربما يكون مفتاح لفهم خصائص التعزيز للدور الثقافي الذي لعبه الشخص المدمن في الاعتماد علي المجتمع، وتسهيل انتقال ذلك الدور إلي ثقافة الاعتدال. إذا كان التدخل الطبي ضروري لإزالة الأعراض الجسمية، فإن التدخل لتعديل الجوانب السلوكية والعاطفية ضروري أيضا. إن فصل الشخص المدمن بنجاح من ثقافة الإدمان التي تكيف معها، يجب أن يستخدم نظام دعم مماثل؛ ويتطلب الشفاء تعديل السلوكيات المسببة للإدمان، والتحكم، أو إدارة العواطف، والأفكار المسببة للإدمان. إن الأسلوب الأكثر فعالية للفريق المعالج هي التي تركز في معالجتها علي تغيير تكييف الأدوار الاجتماعية كعنصر تكاملي في عمليات المعالجة ( Deleon& Joinchil, 1995) ؛ كما أن التحرر من جماعة التعاطي يعجل من عمليات الشفاء. إن الفشل في قدرة الفريق المعالج علي فصل المتعاطي من جماعة التعاطي، يؤدي إلي العودة للجماعة المسببة للإدمان، واستئناف الدور الثقافي داخل تلك الجماعة المسببة للإدمان. وعلي الرغم من الألم والمرض الجسمي، فإن التعزيز المزود بالثقافة المدمنة يكون قوي جدا، وفي أغلب الأحيان يكون أكثر جاذبية من الثقافة الصحية. إن فهم الانسحاب الاجتماعي ( الجذب الاجتماعي ) القوي المدعوم بثقافة الإدمان، وتركيز برامج إعادة التأهيل في تعريف القيم المسببة للإدمان والتي تجعل القيم الصحية أكثر جاذبية ورغبة، ويكون هو الهدف العام للشفاء. الارتباط بالجماعة يدعم الشفاء، والثقافة التي تؤكد علي أهمية إيجاد القيم البديلة مقبولة حتى الآن لكي تمتزج بالثقافة المسببة للإدمان، وبكمية مساوية مع الأسلوب الصحي السليم والثابت.

ليست هناك تعليقات: